×
محافظة المنطقة الشرقية

عام / وزير الداخلية المصري يلتقي نظيره الإيطالي

صورة الخبر

قتل وحشي وأعمال إجرامية وفظاعة وإرهاب إنساني يتّفق الجميع عليه ومن دون أي استثناء. من الأنصار والأعداء، ومن المغرب والمشرق، في تقويمهم لممارسات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وأيضا يوجد في كلّ مكان توافق على ضرورة وأولوية قيام تحالف يقوم باتخاذ خطوات فعالة لإيقاف هذه العصابة المجرمة وردعها عن إجرامها. في هذا الوقت أصبحت جرائم ومجازر «داعش» تستحوذ الآن على جزء كبير من المشهد السوري في معظم فضاءات ووسائل الإعلامَيْن العربي والعالمي، وفي مقابل ذلك الانهماك لم نعد نسمع ونرى من الإعلام إلا القليل عن مجازر وجرائم بشار الأسد، التي يعيش تحتها الشعب السوري وبشكل يومي منذ أكثر من ثلاثة أعوام. تراجعت جرائم الأسد من الصورة، وأصبحت البوصلة الدولية والإقليمية تتجه إلى «داعش» وجرائمه، وبدأ العد التنازلي لمواجهة عسكرية معه، وهو أقل ما يستحقه مثل هذا التنظيم الإرهابي، ولكن وفي الوقت نفسه يجب أن نضع في حسباننا أن مرتكب أكبر المجازر الكيماوية في شعبه لا يزال متربعاً على عرشه، يستكمل جرائمه بالبراميل المتفجرة. وإذا كان «داعش» ينحر ويقطع رؤوس المئات بكل وحشية وبربرية وإجرام، ويمارس عمليات الجلد والرجم والصلب، في مشاهد أصبحت غير مستغربة في المناطق السورية الخاضعة له، فإن ما يفعله نظام الأسد وشبيحته في حق المدنيين السوريين من إلقاء البراميل المتفجّرة على الأحياء المأهولة بالسكّان، وكذلك الغارات التي تستهدف المستشفيات والمخابز، وقتله آلاف الأطفال والنساء، وخطفه واعتقاله أمثال ذلك، وتجويعه أحياء برمتها، هي جرائم ممنهجة تجسِّد أبشع جرائم القتل والوحشية في العصر الحديث. والفارق بينهما في الإجرام أن تنظيم الدولة الإسلامية يتفاخر ونظام الأسد ينكر، عصابة «داعش» التكفيرية تعرض وتنشر أعمالها وجرائمها في وسائل الإعلام في حين أن نظام دمشق يتستر على جرائمه. لقد دانت المنظماتُ الإنسانية والدولية كلها نظامَ الأسد على ارتكابه مختلف أنواع القتل والقمع والتعذيب، حتى بلغت حصيلة القتلى وبحسب آخر إحصاءات الأمم المتحدة أكثر من 191 ألف سوري منذ اندلاع الثورة في مارس 2011، وبلغ عدد اللاجئين أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ يعيشون أوضاعاً مأسوية، ولم يكف نظام الأسد عن استخدام الغازات السامة ضد المدنيين، بل لجأ -كما ذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان- إلى استخدام غاز الكلور السام لمرات عدة وفي أكثر من 11 منطقة في سورية. وكل يوم يمر من دون إيجاد حل للأزمة السورية يعني مزيداً من القتلى والجرحى والمعتقلين، فالآلة الحربية الأسدية لا تتوقف عن حصد أرواح العشرات يومياً. لا أقول ذلك تهويناً من جرائم «داعش» وممارسته البشعة من قطع الرؤوس أمام عامة الناس، وارتكابه تصفيات جماعية، أو التقليل من شأنه، وضرورة الاستعجال باتخاذ خطوات عسكرية ضده، وإنما من أجل تقرير وترسيخ تلك الحقائق. فالأسد قد أراد أن يكون هو بنفسه مشعل الحرائق وفي الوقت نفسه هو رجل الإطفاء، فلعب بورقة إطلاق عفريت الإرهاب منذ بدايات الثورة، فحرر قادة القاعدة القابعين في سجونه، ليس فقط حتى يغرق ثورة شعبه بالدماء حتى تظهر بمظهر الحركة الإرهابية والتخريبية، بل وأن تغرق المنطقة بأسرها في بحر الإرهاب، وقد تحقق وحصل له ما تمنى وأراد. كان هدف الأسد من هذه الاستراتيجية هو أن يحصر شعبه ومعارضيه والغرب في الاختيار بين أخف الضررين: إما بقاؤه في الحكم، أو وقوع سورية تحت إرهاب الهمجية الداعشية، والتي أصبحت على وشك أن يمتد إرهابها حدودها الإقليمية، فلم يدع للمجتمع الدولي خياراً آخر غير ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لإيقاف وردع الطوفان الداعشي، وها هو الآن يسعى ويلهث من أجل استعادة شرعيته عبر بوابة محاربة الإرهاب، وإعلان استعداده للتعاون والتنسيق مع أي جهود دولية غربية لمحاربة الدولة الإسلامية؛ تمهيداً لإعادته إلى الحظيرة الدولية واستعادة الاعتراف به، وهو الخيار الأصعب الذي يتهرب من مواجهته صناع القرار السياسي في واشنطن ولندن. ويبدو أن هذا الخيار لم يعد مستبعداً، فالهجوم من الغرب على الأسد بدأ يتراجع بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، ولم نعد نسمع نبرة المطالبة بالتنحي عن السلطة، بعد أن أصبح تنظيم الدولة الإسلامية يركل على أعتاب أوروبا ويهدد مصالح الغرب الحيوية، فلم يعد الآن الأسد هو المشكلة الرئيسة وإنما في تفشي «سرطان داعش»، ولكن تظل الحقيقة أن الشعب السوري والمنطقة تعاني منذ أكثر من عام ونصف العام من خطر طارئ، من إرهاب العصابة الداعشية والجماعات التكفيرية، وخطر متأصل وجاثم على صدورهم من العصابة الأسدية، وهنا يجب أن يأخذ الغرب في الحسبان ما قاله روبيرت فورد السفير الأميركي السابق في سورية، ومنسق ومبعوث واشنطن الخاص إلى فصائل المعارضة السورية بأن توجيه ضربات عسكرية جوية أميركية في سورية ضد «داعش» هو أمر مطلوب، وكذلك توفير مساعدات أكبر لعناصر المعارضة السورية المسلحة المعتدلة لمواجهته، إلا أن هذا التكتيك لن يكون كافياً لاحتواء تنظيم الدولة الإسلامية على المدى الطويل، فانتشار التنظيم في مساحات شاسعة في سورية ستمنحه القدرة على التنقل بأمان وإعادة تنظيم صفوفه والقتال من جديد، ولذلك يجب التركيز على عملية إحداث تغيير سياسي، فالنظام السوري الحالي لا يمكنه دحر الدولة الإسلامية، فهو يجذب العشرات من الجهاديين الجدد كل يوم، ومساعدة الأسد أو بقاؤه سيساعد على مضاعفة أعداد المجندين في المستقبل، فالحل الوحيد الطويل الأمد يكمن بالضغط والتفاوض على تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تدير شؤون البلاد. * كاتب سعودي. hasansalm@