×
محافظة المدينة المنورة

سماء غائمة جزئياً على أجزاء من شرق ووسط المملكة

صورة الخبر

قبل أكثر من ثلاثين عاماً مضت جرى تعييني معلماً في المرحلة الابتدائية مع مجموعة من زملائي الخريجين في قرية صغيرة آنذاك، تُسمى (البطين)، تبعد عن بريدة (65 كم شمالاً)، والطريق إليها مسفلت إلا ثمانية كيلومترات منه، هي الوصلة التي تفصل القرية عن طريق القصيم - حائل القديم. القرية حديثة النشأة، بها مدرسة ابتدائية واحدة للبنين، وأخرى للبنات. وعدد المعلمين في مدرسة البنين تسعة، سبعة سعوديين، والآخران أحدهما فلسطيني والآخر أردني. وسكنوا في ثلاثة بيوت واسعة مبنية من الطين، جيدة الإضاءة والتهوية (كل ثلاثة في بيت). وقد رحب بنا أهل القرية، وفرحوا بمقدمنا، وأكرمونا. تلاميذ المدرسة غالبيتهم من أبناء القرية، ويتم إحضار بقية التلاميذ من المزارع القريبة بواسطة متعهد من أهل القرية. ليس في المدرسة كهرباء رغم وجود مولد ينتج الكهرباء لأهل القرية، يتم تشغيله قبيل غروب الشمس إلى الساعة الحادية عشرة ليلاً. بدأنا العام الدراسي الجديد بحماس منقطع النظير؛ فأنشأنا جماعات (الإذاعة والصحة والعلوم), والصحف الحائطية، والرياضة، والمقصف المدرسي، والتربية الفنية.. وكان لمدرستنا أنشطة كثيرة داخل المدرسة وخارجها. ومن المواقف الطريفة التي لا تُنسى أن ولي أمر تلميذين رفض حضور ابنيه إلى المدرسة سوياً في يوم واحد؛ فعلى أحدهما أن يدرس اليوم، بينما يقوم الآخر برعي الغنم، وفي اليوم التالي يدرس الذي رعى الغنم، ويقوم الذي درس بالأمس برعي الغنم.. وهكذا. ولما أردنا ثني والدهما عن تنفيذ فكرته هددنا بمنع ابنيه عن الدراسة، فقبلنا مقترحه على مضض. وكانت زيارات المفتشين (المشرفين التربويين) لمدرستنا لا تنقطع، وكانوا يقيّمون أعمالنا، ويشجعوننا, وكنا نشكرهم، ونبذل قصارى جهدنا فيما فيه نفع التلاميذ وتربيتهم وتعليمهم. لقد انقضى العام الدراسي (التعليمي) سريعاً، وبقيت ذكرياته الجميلة عالقة في أذهاننا بعد نقلنا إلى المدينة. والبطين الآن مركز كبير، به مدارس كثيرة ومساجد وأحياء سكنية وخدمات عامة وأسواق وبلدية وحدائق ومتنزهات وبعض الدوائر الحكومية، شأنه في ذلك شأن المراكز العامرة في مملكتنا الحبيبة. - بريدة