×
محافظة المنطقة الشرقية

«الخطوط الحديدية» تدرس إنشاء خط مكهرب بين الدمام والرياض

صورة الخبر

الحديث عن ناجي العلي ـ هذان اليومان ـ ذو شجون، فقد أزهر الربيع سبعا وعشرين فصلا منذ أن رحل في 29 أغسطس ١٩٨٧، بعد أن صوَّب "شخص ما" فوهة مسدسه الكاتم للصوت إلى عينيه، ليبقى بعدها غائبا عن الوعي بين الموت والحياة لأشهر، حتى فارقنا راحلا!. هنالك أشكال كثيرة للمقاومة، يمكن من خلالها تبنّي القضايا العادلة. منها ما هو بالكلمة والفكر والقلم، ومنها ما هو بالريشة والنغم والشِّعر، ومنها ما هو بالكاميرا والسينما والتمثيل، وأدوات كثيرة أخرى محورها الفنون والثقافة. كان ناجي العلي وحده حركة وطنية مقاومة. مناضلا حقيقيا وإن لم يحمل السلاح!، فقد دخل مجال الصحافة كمحرر ورسام ومخرج صحفي، مبتدئا من صحافة دولة الكويت، فاختار أن يعبّر عن قضيته ـ قضيتنا ـ القضية العربية الفلسطينية برسومات الكاريكاتير، وهذا كان مفتاح اغتياله!. إذا ما استُحضر ناجي العلي، المواطن الفلسطيني الذي شرّده الاحتلال الإسرائيلي مثل ملايين آخرين في ١٩٤٨، تستحضره الذاكرة الثقافة العربية كفلسطيني أولا وكفنان ومثقف ومناضل ثانيا، لكنها الذاكرة أيضا التي لا بد أن تستحضر معه "حنظلة" بشكل مباشر وتلقائي، فقد ارتبط الاثنان ببعضهما إلى حدّ لا يمكن التفريق بينهما، فهو الرمز المرافق لرسوماته الكاريكاتورية والمرتبط بها؛ أطلق عليه هذا الاسم ومنحه شخصية طفولية مميزة وحزينة جعلته أحد أبناء "القضية"، حتى أصبح توقيعا شديد الخصوصية والارتباط بصاحبه. والرمز الكاريكاتوري "حنظلة" يمثل طفلا في العاشرة من عمره، لا يكبر أبدا ولا يمكن الاطلاع على تفاصيل وجهه.. يدير ظهره للعالم باستمرار عاقدا يديه خلف ظهره، كما يظهر دائما حافي القدمين وبلباس مرقع؛ دلالة على الفقر والتشرد والمنفى. يقول ناجي العلي مبتكر شخصية "حنظلة": إنه يمثل تعبيرا عن الذات، فهو بمثل سن صاحبه حين أُجبر على ترك وطنه "فلسطين"، ولن يزيد عمره حتى يستطيع العودة إلى وطنه، فـ"قوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء"، وأما عن سبب عقده يديه خلف ظهره، فذلك نظرا لرفض كل الحلول الخارجية للقضية الفلسطينية، يقول ناجي العلي: "كتفته بعد حرب أكتوبر 1973؛ لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف "الطفل" دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأميركية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبّع، ورؤية وجه "حنظلة" مرتبطة بأن تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته". ناجي و"حنظلة" ـ أو "حنظلة" وناجي ـ أصبحا رمزا عربيا واحدا لقضية عربية واحدة، الفارق الوحيد في القضية أننا لا نعرف من منهما رحل ومن منهما بقي، صحيح أن ناجي رحل جسدا، وبقي "حنظلة" كرمز، لكن ما إن يُستحضر أحدهما حتى يحضر الآخر قبله؛ ولهذا فإن اغتيال ناجي ورحيله لم يكن يعني رحيل رمزه الكاريكاتوري "حنظلة"، إذ هو ناجي العلي ذاته!. حنظلة يكره حمائم السلام، ربما لأن السلام غير موجود في ظل وجود الحمام، كما أنه دائم الاعتراض، والحزن، والشعور بالتهميش، لكنه في المقابل غير مساوم على "القضية"، ويسعد حينما يرفع علم فلسطين، ويكون غير مهمش ولا منفي، حين يعبر عن توقه للعودة إلى بلاده، ولهذا كان هو الوجه الآخر لصاحبه وصانع شخصيته ناجي العلي، الذي فقد حياته؛ لأنه كان صريحا حد القسوة. كتب حنظلة ـ ذات مرة ـ الجملة التالية على جدار: "أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر"! إن "حنظلة" كان أيقونة المقاومة لثلاثة عقود، لا نعرف من أين أتى ومتى سيرحل، لكنه ما زال باقيا يقاوم في أكثر من أربعة آلاف رسم كاريكاتوري أنجزها ناجي العلي، وهذا ما قد يجعل المقاومة بالفن والفكر والكلمات أكثر تأثير وأعمق أثرا في الإنسانية السوية. والمجد لكافة أرواح الشهداء وفي طليعتهم ناجي العلي وآخرون.