أكاد أجزم أن هناك أكثر من ستمائة ألف مواطن سيلومني حين يقرأ عنوان مقالي، هم من قبلت طلباتهم بعد خمس سنوات من الانتظار، في وقت ينتظرون استلام وحداتهم السكنية، قبل أن تهبط عليهم إحصاءات الإسكان بردا وسلاما من السماء، وأجزم أكثر أن هناك نحو ثلاثمائة وأربعين ألف مواطن سيصب غضبه، وربما شتائمه، على شخصي المتواضع، وهم ممن تم رفض طلباتهم، لأسباب مختلفة، أكثرها غرابة هي السفر مدة تسعين يوماً خارج البلاد متواصلة أو متفرقة خلال عام واحد!. حينما أشكر الوزارة في هذا المقال، فإنني أشكرها على هذه الإحصاءات الدقيقة، وهذه الرسوم البيانية الجميلة، التي تمنيت أن يتم نشرها قبل سنوات من الآن، وبعد أشهر قليلة من الأمر الملكي بدعم الوزارة بمليارات الريالات، أما الآن بعد كل هذه السنوات، وبعد توزيع وحدات إسكان جازان، فإن مواطني المناطق الأخرى ينتظرون تسليمهم وحداتهم السكنية الخاصة، أو على الأقل تضمين رسائل الجوال المرسلة إليهم فقرة تخص موعد التسليم المتوقع، حتى ولو كان تاريخ السنة فحسب، دون تحديد اليوم أو الشهر!. ما لفت انتباهي في هذه الإحصاءات هو النسبة العالية لمن هم فوق الثلاثين، التي بلغت 78% من إجمالي المستحقين، بل حتى لو نظرنا فقط في نسبة المستحقين ممن هم فوق الأربعين عاما، فإنهم يشكلون 31% ممن قبلت طلباتهم، أي أن تقريبا ثلث المقبولة طلباتهم هم ممن تجاوزوا الأربعين، وهم ممن قضوا أكثر من نصف أعمارهم على علاقة وثيقة بخدمات نقل العفش، وهم يسحبون أطفالهم من منزل مؤجر لآخر، فمن مؤجر ظالم يرفع عليهم قيمة الإيجار، إلى آخر يأمر بخروجهم لأن ابنه الذي يتهيأ للزواج يحتاج إلى هذه الوحدة السكنية، أو غيرها من الأسباب التي لا تحمي المستأجر، ولا تحفظ إنسانيته! ولعل النسبة التي تلفت الانتباه أيضاً، هي ما يتعلق بمهنة مستحق المسكن، التي أظهرت أن 59% منهم هم من الموظفين الحكوميين، أي أن أكثر من نصف عدد مستحقي الإسكان هم موظفو دولة، وهذا أيضاً مؤشر يعني أن موظف الحكومة، في ظل مرتبه الحالي، لا يمكن أن يفكر، ولو مجرد تفكير، بشراء مسكن من دخل الوظيفة الحكومية! وأخيراً ليت الوزارة وقد استخدمت الشفافية في هذه الإحصاءات، أكملت شفافيتها أيضاً، بنشر ملخص للأسباب التي يتم بناء عليها رفض طلب المتقدم، وكذلك المواعيد المتوقعة للتسليم في كافة مناطق المملكة، وأيضاً نشر معلومات واضحة ودقيقة عما وصلت إليه مرحلة العمل في مختلف مواقع الإسكان بالمملكة، لأن مواطن اليوم يختلف عنه في القرن الماضي، فمع التقنية يستطيع أن يتابع ويجادل ويطالب، ولعل الوزارة تستثمر ذلك في إنشاء صفحة بأحد مواقع التواصل الاجتماعي، تنشر فيها صور العمل الفعلي في مواقع الإسكان بالمناطق المختلفة، وإلى أي مرحلة وصل، كي يشعر المواطن بالاطمئنان، ولا يداهمه الإحباط، بل ويدرك أن للأمل والانتظار معنى.