* سئلت إثر محاضرة بالنادي الأدبي بالرياض قبل فترة عن تجربتي في مجلس الشورى: لماذا تم تفضيل خيار التعيين على الانتخاب بمجلس الشورى وقد أجبت باختصار لمحدودية الوقت للمداخلة وأطرح الآن رؤيتي بتوضيح أكثر: حول هذه القضية. في هذه المقالة التي أبسّط القول فيها. بدءاً أؤمن أن لكل وطن أن يختار ((الآلية)) التي يراها مناسبة لتحقيق هدفه التشريعي والرقابي عند تكوين مجلسه البرلماني، وليس من حق أي شخص أو دولة أن تنازع الأخرى بخيارها. أشير ثانياً إلى أن لكل من الاختيار والانتخاب جوانبه الإيجابية والسلبية وفي تقديري -ومن خلال تجربة شورية- امتدت على مدى ثلاث دورات توفرت لدي قناعة -على الأقل بالمنظور القريب- أن خيار الاختيار هو الأفضل لوطننا ولكثير من الدول التي لا تزال تجربتها البرلمانية جديدة إذا قيست بالمنظومات البرلمانية الغربية التي ينوف بعضها على مئتي عام. لماذا الانتخاب هو الأفضل لنا وبخاصة بعالمنا العربي.. هذه بعض الأسباب. * أولاً: ثبت أن الاختيار يصطفي من كافة التخصصات والمناطق والأطياف من علماء ومثقفين وأكاديميين وأطباء ومهندسين.. إلخ. * ثانياً: إن أعضاء المجالس في الدول حديثة التجربة البرلمانية عندما يتم اختيارهم يكون انتماؤهم للوطن وليس لفئة أو مذهب أو حزب بل كل الولاء للوطن فهو الذي اختار العضو ممثلاً لأبناء وطنه.. وإنني أذكر للأمانة أن عضو مجلس الشورى السعودي وعلى (12) عاماً تحت القبة كان ((الوطن)) هو الحاضر الأكبر في ذهنه وهو يطرح مداخلة أو يقدم توصية أو يقبل قراراً أو يرفض آخر. * ثالثاً: إن الأهم لكل مجلس هو ((الصلاحية)) الممنوحة له وليس الآلية التي يتم فيها اختيار أعضائه. * رابعاً: تأملوا تجارب أغلب دول العالم الثالث من حولنا التي اختارت آلية الانتخاب.. ماذا حققت مجالسها، وكيف كان اختلاف أعضاء هذه المجالس حسب تياراتهم وأحزابهم.. كيف كان هذا الاختلاف معوقاً من معوقات التنمية في بلدانهم وسبباً في توتر العلاقة بين مجالسهم وحكوماتهم والخاسر هو هنا هم أبناء تلك البلدان، حيث تتعطل التنمية، ولا يتم إقرار الأنظمة، وتحول ((الرقابة البرلمانية)) إلى ((هوشة برلمانية)) بين المجلس البرلماني والوزير الحكومي، فلا تنمية تتم ولا مشروع يقر. * خامساً: إن العضو الذي يتم انتخابه في هذه البلدان يضع له ((برنامجاً انتخابياً)) مثالياً في جناحه الأيمن ((التنمية)) وفي جناحه الآخر آمال المواطن المنتخِب.. وعلى ضوء ذلك يتم انتخابه، ولأن العضو وضع برنامجاً ((أحلامياً)) إن صح التعبير فهو يدخل المجلس ويخرج منه ما تحقق بند من بنود ما وعد به في مشروعه البرلماني المثالي. ** أشير أخيراً إلى أنني مع الانتخاب إذا نضجت تجربتنا الانتخابية وإذا توفرت الثقافة المطلوبة لعملية الانتخاب لدى كل المواطنين وليس لدى النخب. وقد أصاب كثيراً سمو الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز عندما أجاب عن انتخاب أعضاء مجلس الشورى فكانت إجابته واقعية منطقية مبنية على قراءة ما يخدم الوطن وذلك عندما قال: ((إن هذا يتوقف على توفر ثقافة الانتخاب لدى الناس)). وهذا صحيح جداً فالأمير لم يشأ أن يغازل الجماهير بل كان هدفه أن يبدي الرأي الذي يخدم وطنه ولو لم يكن رأياً يتفق مع رغبة من يبهرهم إغراء واعتدال شكلية الانتخابات وبريقها ولا يتأملون في آلية الاختيار التي تجلب الأوفر عطاء وليس الأكثر كلاماً وتنظيراً. ** وبعد: هذا هو خيارنا الذي اختارته قيادتنا وارتضاه السواد الأكبر من المواطنين لأننا رأينا أنه في هذه المرحلة الأفضل لتحقيق أهداف مجلسنا الشوريّ سواء على المستوى التشريعي أو الرقابي أو التنموي.