×
محافظة المدينة المنورة

إيقاف العمل بمشروع توسعة المسجد الحرام مؤقتاً بدءاً من منتصف الشهر الجاري

صورة الخبر

استنصرته وهي وجلة متحيرة عاجزة عن لملمة نفسها من الأوجاع التي أنهكتها؛ فأسرع ملبياً، أمسك بيدها، الموقف لا يتسع لحسابات كثيرة، النسوة المعزيات واللاتي ينتحبن تصنعاً؛ يتغامزن من خلف مناديل القماش التي يخبئن وجوههن خلفها، والتي يحتفظن بها لواجبات العزاء ليس إلا. المناديل الورقية لا تجدي معهن لهذا الغرض، هذه المرأة لا تمتلك منديلاً؛ وجداول الدمع التي شقت طريقها وسط الأتربة التي تكسو وجهها تؤكد صدق نحيبها، جميعهن يتفنن في الصراخ وفي العدودة، يبدو أنها لا تجيد هذا الفن، فكانت بينهن كراقصة يعزفن لها لتذوب في أوجاعها. آه لو وصل كتاب العدودة للبولاقي إلى هذه القرى؛ لتخطفته النساء حتى ترى كل واحدة منهن نفسها بين صفحاته؛ رغم عدم جدوى برامج محو الأمية في محو أميتهن! وعدم دراية الشابات المتعلمات بهذا الفن. أنا لم أستطع شراءه؛ لأنه كان غالي الثمن، رغم أن المادة التي يحويها لا تقدر بثمن، هي تبكي فقط وتتوسل إلى هذا الرجل الذي يقف خلف الباب والذي يستعرض أمام النساء في منعهن من الدخول أن يسمح لها ولو بلحظة تحتضن فيها أخاها! وتلقي عليه النظرة الأخيرة قبل أن تبدأ مراسم الاغتسال. اتجه الرجل الذي استنصرته إلى الآخر الذي يقف خلف الباب، زجره، فأشار له الآخر بيده مهدئاً إياه ثم مط رقبته مقترباً منه ودار بينهما حوار هامس لم تسمعه المرأة بالطبع، إلا أنها كانت ترقبهما وتستعطفهما بنظراتها. تقدمت النساء ناحيتها وكل واحدة منهن تسابق الأخرى في وضع يدها على رأسها، يبدو أن هذه الحركة تمثل جانباً مهماً من طقوس العزاء، تدافعت النساء أكثر حتى طمست معالم المرأة بينهن، صراخ وهرج ومرج بشكل غير طبيعي، استغاثات، سقطت المرأة بينهن فاقدة وعيها، الرجل القابع خلف الباب يبتسم في وجه من كان يهمس في أذنه قائلاً: هذا يؤكد صدق كلامي! زادت الاستغاثات، رفعت إحداهن صوتها: عطر.. لم يستجب أحد، كررتها صارخة. فترك الرجل القابع خلف الباب مكانه وأسرع إلى الداخل، ثم عاد مهرولاً وفي يده قارورة عطر لم تستعمل بعد، تخطفتها منه النساء ورششن عطرها في وجه المرأة، لم يجد ذلك في إخراجها من إغماءتها، أخرج الرجل تليفونه المحمول، ضغط بعض الأرقام، أنهى مكالمته سريعاً ثم صاح، الإسعاف في الطريق، لم تستغرق وقتاً طويلاً؛ حتى جاءت مولولة، صوت سرينتها له وقع في النفس والقلب أقوى من صراخ النساء على ميت، تزاحم الناس عليها رجالاً ونساءً، أخرجوا سريرها بصعوبة، حملوا عليه المرأة إلى داخلها، تشبثت النساء ببابها يردن مرافقتها. صرخ السائق في وجوههن: واحدة فقط! صعدت أكثرهن بدانة بصعوبة حتى أضحكته عندما عاونها بعضهن وقذفوا بها إلى الداخل كجاموسة يزجون بها في عربة نقل! تساءلت مع نفسي: ما الفرق بين النعش وسرير عربة الإسعاف؟! ولم أستعجل الإجابة حيث عم الوجوم جميع أرجاء المكان وتسيد الصمت وبانت علامات الجوع والعطش على وجوههم؛ فارتكنوا إلى الظل، في حين ظل باب البيت مفتوحاً ولم يفكر أحد في الدخول!.