الإبداع والإنجاز لا يعرفان حدودا، أو حواجز تقف أمامهما، متى ما كان الإصرار على الوصول، حتى وإن لم يجد الإشادة الكافية، ولا المتابعة الإعلامية المعتادة، وهذا ما يحدث بالضبط لمنتخبنا من ذوي الاحتياجات الخاصة للإعاقة الذهنية، الذي حقق كأس العالم للمرة الثالثة على التوالي، كأول إنجاز عالمي يحققه منتخب، ومع كل هذا الجهد والإبداع والتحدي على المستوى الدولي، لم يجد هذا الإنجاز متابعة تستحق أن يشار إليها للأسف، وكأن إخوتنا الذين يشاركون في هذا الإنجاز مهمشون في حياتهم الخاصة، وحتى حين يمثلون الوطن أيضا، فكل ما يحدث من تغطية لهذا الحدث الدولي، غائب محليا إلا ما ندر من خبر شارد هنا أو هناك. الأمر محبط فعلا، بدأت البطولة وانتهت ولم يشعر بها إلا القليل، هل هي مقارنة غير مقصودة أن يحقق ذوو الاحتياجات الخاصة ما لم يحققه منتخب ذوي الأجساد الصحيحة والعقول السليمة؟! ولا لوم على الجماهير، فهم يتأثرون بشكل كبير بما يطرحه الإعلام، وبما يلمعه ويثيره صباح مساء على مسامعهم، حتى خلق التعصب الرياضي في جميع شرائح المجتمع، وإن أهمل المجتمع إنجازات أبنائه من ذوي الاحتياجات الخاصة، فهذا نتاج طبيعي للإعلام الذي غيبهم بشكل واضح. وبهذه المناسبة تذكرت قصة تناسب هذا الحدث لتشابه الظروف، إذ وقعت القصة في أحد الأولمبياد الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة، أقيم في الولايات المتحدة الأميركية، وفي سباق ثمانمئة متر. انطلق السباق وتقدم أحد المتسابقين من المعاقين ذهنيا، وبعد أن قطع مسافة، سقط اللاعب ودخل في نوبة بكاء قوية متأثرا بتأخره عن زملائه الذين سبقوه، فماذا تتوقعون؟ عند سماع زملائه المتسابقين بكاءه عادوا جميعا إليه، وأخذوا بيده وأكلموا السباق ممسكين بأيدي بعضهم، وعبروا خط النهاية سويا صفا واحدا. الموقف أدهش الحاضرين من الجماهير الأصحاء، ووقفوا يصفقون لهم أكثر من عشر دقائق؛ احتراما لهم ولإنسانيتهم ولرقي تعاملهم، ولم يتمالك نفسه المعلق على السباق، وقام يصرخ بصوت عال، وهو يقول: ليست الإعاقة في الجسد إنما الإعاقة في العقول والتفكير والتهذيب. فهذا الأولمبياد وغيره من المحافل الرياضة وُجد لترويض النفوس وتهذيبها، وليكن لهذه المنافسات رسالة حب وسلام ووئام تجمع دول العالم في مكان واحد، يذكرهم أنهم إخوة في الإنسانية، وأن الحب والخير يجمعهم، وليست العنصرية والحرب والتنافر، وما قام به أبناء وطننا من إنجاز عجز عنه الأصحاء، فهو محل تقديرنا وإكبارنا؛ لأنهم شريحة غالية علينا جميعا، مثلونا وكانوا سفراء فوق العادة، أثبتوا للعالم أن أبناءنا رائعون، مبدعون، حتى من لديه إعاقة منهم، فمن حقهم أن نفخر بهم، ونعطيهم ما يستحقون من تقدير وتغطية إعلامية تليق بهم، وتوصل مجهودهم وإبداعهم إلى كل بني وطنهم، فهم أحق وأجدر.