قالت وزارة الشؤون الإسلامية في تصريحاتها الأخيرة إنها قد طوت قيد مئة خطيب لأسباب تتعلق باستخدام منابرهم لأغراض سياسية، وأن عليهم ملاحظات فكرية ودينية، والوزارة نفسها نبهت قبل أكثر من شهر إلى وجود خطباء لم يلتزموا بتعميمها الخاص بأحداث شرورة وقدرت أن عددهم يصل إلى المئة، وفي ذلك الوقت قال بعضهم بأن التعميم لم يصل إليه، وكانت الوزارة كريمة معهم وأعطتهم فرصتين، ويظهر أن الأمور لم تتغير، ومحاولة الربط بين الخبرين منطقية جدا أو مقبولة في أسوأ الأحوال، فالمصدر واحد والرقم لا يختلف ومهن الأشخاص في الحالتين واحدة، وهؤلاء لم يستجيبوا لمناقشة اللجان المختصة ولم يعدلوا أوضاعهم رغم المحاولات، وهذا الإصرار على الخطأ لا يفترض أن يمر هكذا، وأعتقد أن طي القيد ليس كافياً، ولا بد من التحقيق معهم لمعرفة أسباب العناد وهذه البطولات الكرتونية غير المفهومة. الوزارة دشنت برنامجا ميدانيا اسمته «فاعل» وهو قديم نسبيا فعمره يتجاوز العشر سنوات، ولكنه أقل شهرة من أشقائه الأصغر سنا في وزارة العمل والتأمينات الاجتماعية والمرور والجوازات، ربما لأن طريقته في مواجهة المشكلات والتعامل معها تختلف، والبرنامج حقق نجاحات مقدرة في متابعة المساجد وفي مراقبة أعمالها عن طريق الفرق الشرعية والزيارات غير المجدولة، وساعد صاحب الصلاحية في اتخاذ القرار المناسب بالاستغناء عن خدمات ثلاثة آلاف خطيب ومؤذن خالفوا تعليمات الوزارة، ونجح في مناصحة مئات آخرين وإقناعهم بالرجوع عن تجاوزاتهم، وأسلوب البرنامج منصف ومدروس بعناية، وتعمـل عليه فرق شرعية ميدانية ترصد المخالفات، ومن ثم تحيل تقاريرها إلى لجان مختصة في كل منطقـة لدراستها، وتقوم الثانية بالرفع إلى الوزير الذي يتخذ قراره، بعد استشارة لجنة شرعية مركزية موجودة في وزارته، وبما يخدم الصالح العام. قبل أربع سنوات تقريبا كانت هناك مقابلة تلفزيونية مع شخصية دينية سعودية محسوبة على الأكاديميين، ومن بين ما جاء فيها المطالبة بزيادة الأدوار في منطقة الطواف بالحرم المكي الشريف إلى عشرين أو ثلاثين دورا، وتخصيص أدوار للرجال والنساء وكبار السن والمعاقين، بما يمنع الاختلاط الحاصل بين الجنسين في المسجد الحرام، وأن يكون الحرم بالكامل دائريا، ولن أدخل في التفاصيل لأن أهل العلم الشرعي المعاصرين في البلدان الإسلامية، يرفضون هذا الرأي ويعتبرونه مخالفا للسنـة، بعدها قالت الشخصية نفسها في مقابلة تالية بأن المذكور خرج في دراسة علمية محكمة باسمها، وقبل أيام نشرت الصحافة المحلية خبرا مشـابها، طالب فيه الأكاديمي المتخصص في العلوم الشرعية، وفي دراسة علمية محكمة، بإخراج حجرات أمهات المؤمنين من المسجد النبوي بما فيها حجرة أم المؤمنين عائشة الموجود فيها قبر الرسول الكريم وقبرا صاحبه أبو بكر وعمر، لأن من يقيمون المساجد على الأضرحة والقبور يتحججون بها، وأضاف إليها هدم جدار القبلة مكان صلاة الإمام وتوسعة حدودها، وترك المبالغـة في زخــرفة المسجد لأن فيها تشبها بالكتابيين، وطمس الأبيات الشعرية في محيط الحجرة الشريفة وعدم تجديدها بالرخام حماية لجناب التوحيد، وعدم تلوين القبة الخضـراء مجددا وإزالة النحاس من علـيها، وهذه المطالبات لم تكن محل ترحيب من قبل المختصين في العمارة الإسلامية، فقد وصفت بأنها بلا منطق خصوصا أن جدار القبلة المطلوب هدمه يعتبر حدا نهائيا وقف عنده ثالث الخلفاء الراشدين، ولم يتجاوزه أو يهدمه أحد إلى اليوم، وهو مواز تماما لحجرة أم المؤمنين صفية أو آخر الحجرات. من ذكرت تخرجا في نفس الجامعة، وكلاهما تناول في جزء من كتابته العلمية أمورا هندسية لا علاقة لها بتخصصه الأصلي ولم يشاور أحدا من المختصين مثلما يبدو، ويجوز أنهم مهندسون بالفطرة، ونحتاج لغيرهم إلى تطبيقات من نوع «فاعل» تراقب السلوك الأكاديمي في الجانب الشرعي، وتناصح أصحاب الاجتهادات العلمية غير الموفقة، أو أن توضع مدونة للأخلاقيات البحثة في العلوم الشــرعية يوقع عليها كل باحث من الشرعيين، ويكون ضمن بنودها قائمة بالموضوعات الدينية المطلوب تركها لذاتها أو لما قد يترتب عليها...