باريس: ميشال أبو نجم كثفت باريس اتصالاتها الدبلوماسية على أعلى المستويات، وخصوصا مع الولايات المتحدة، شريكتها في الموقف المتشدد من النظام السوري، للاتفاق على استراتيجية موحدة ورسم ملامح المرحلة الجديدة التي بدأت مع الاقتراح الروسي بوضع الترسانة الكيماوية السورية تحت رقابة دولية تمهيدا للتخلص منها. وقبل اللقاء المرتقب اليوم بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا، تريد باريس أن تكون جزءا من الاتصالات والمشاورات الدولية، الأمر الذي عكسه إسراعها في كتابة مشروع قرار عرضته على شريكتيها الغربيتين في مجلس الأمن (بريطانيا والولايات المتحدة). وبعد أن أعلن الوزير سيرغي لافروف رفض بلاده لمشروع القرار الفرنسي لتضمنه فقرات لا يقبلها الطرف الروسي، وأهمها وضع القرار تحت الفصل السابع وتعيين النظام السوري مسؤولا عن «الجريمة الكيماوية» في 21 أغسطس (آب) الماضي والسماح بـ«تدابير عقابية» في حال رفضت دمشق التعاون الكامل مع الأمم المتحدة، عجلت باريس بالقول إنها جاهزة لـ«تعديله»، ما يدلل على رغبتها في أن تبقى أفكارها محورا للنقاش. وأول من أمس جرى اتصال مطول بين الرئيسين الأميركي والفرنسي باراك أوباما وفرنسوا هولاند قبل أن يلقي أوباما كلمته للوصول إلى موقف موحد للرد على التحرك الدبلوماسي الروسي. وصباح أمس، عقد في قصر الإليزيه اجتماع لمجلس الدفاع المصغر برئاسة هولاند وحضور رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية ورئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية، حيث تم الاتفاق على «مقاربة مزدوجة» بانت مكوناتها من خلال بيان الرئاسة الفرنسية. وتتلخص هذه المقاربة برغبة باريس في استكشاف جدية المبادرة الروسية وما يمكن أن تفضي إليه، وفي الوقت عينه الاستمرار في التأهب لمعاقبة النظام السوري لاستخدامه السلاح الكيماوي وردعه من اللجوء إليه مجددا. وجاء في البيان أن هولاند أشار إلى «عزم باريس على استكشاف كل السبل في مجلس الأمن الدولي للتوصل إلى فرض رقابة فعلية ويمكن التحقق منها، كما أن فرنسا باقية على تواصل مع شركائها وما زالت متأهبة لمعاقبة النظام السوري على استخدامه السلاح الكيماوي وردعه من اللجوء إليه مجددا». وكان الرئيس الأميركي اعتبر المبادرة الروسية التي استندت في الأساس إلى تصريحات الوزير كيري «مشجعة» ومن شأنها «وضع حد للترسانة الكيماوية السورية دون اللجوء إلى استخدام القوة». والواقع أن باريس وواشنطن تقولان الشيء نفسه: نعم للبحث في المبادرة الدبلوماسية الروسية التي قبلتها سوريا والتي هدفها التخلص من ترسانة النظام الكيماوية مع الإبقاء على التأهب للعودة إلى الخيار العسكري في حال تبين أن دمشق وموسكو تناوران ولا تتعاونان بصدق. وترى باريس أن «الليونة» التي أبدتها موسكو ودمشق بعد نحو ثلاثين شهرا من الحرب في سوريا سببها شعور الطرفين أن الضربة العسكرية «آتية»، ولذا تقول المصادر الفرنسية إنه «من الخطأ اليوم» التخلي عن التلويح باستخدام القوة. بيد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفض هذا «المنطق» وطالب بوقف التهديد باللجوء إلى السلاح تحت طائلة رفض النظام السوري التعاون إذا وجد نفسه مهددا. وتبدو باريس «حذرة» إزاء مبادرة اللحظة الأخيرة التي أخرجها وزير الخارجية الروسي من قبعته، ولذا فإن مشروع القرار الذي عرضته على بعض أعضاء مجلس الأمن «يترجم» الخوف من «مناورات روسية». ولم تفاجأ المصادر الفرنسية برفض لافروف القطعي مشروع القرار الفرنسي، وهي تتوقع أسبوعا من المساومات قبل التوصل إلى ما يسمى دبلوماسيا «نقطة التوازن» في المشروع المنتظر بحيث يقبله الغربيون ولا يعارضه الروس والصينيون. وتعمل باريس على تحويل مشروع القرار الذي كتبه دبلوماسيوها إلى مشروع قرار مشترك فرنسي بريطاني أميركي. وفي حوار مطول مع إذاعة فرنسية، فصل السفير الروسي في باريس ألكسندر أورلوف «اعتراضات» بلاده على المشروع الفرنسي وتساءل عن أسباب «التسرع» الذي أبدته باريس حين قدمته في اليوم نفسه الذي أطلقت فيه موسكو مبادرتها. وفهم من كلام السفير المذكور أن بلاده ترفض تحميل مسؤولية ما حصل صبيحة 21 أغسطس الماضي للنظام، كما ترفض البند السابع و«الإجراءات» العقابية للنظام في حال أخل بتعهداته. وأكد السفير الروسي أن بلاده «أخطأت مرة أولى» في ليبيا عندما لم تعترض على قرار أممي تضمن الفقرة نفسها، وهي لن تخطئ مرة ثانية. وفي أي حال، ترى باريس أنه من المبكر توقع هذه الأمور أو تلك في الوقت الحاضر، وهي تتوقع أسبوعا دبلوماسيا حافلا بينما عينها تنظر باتجاه جنيف بانتظار ما سيصدر عن لقاء كيري لافروف.