غاب شاعر المقاومة الفلسطيني الشاعر الفلسطيني الملهم سميح القاسم الذي وافاه الأجل الخميس الماضي بعد نضال طويل مع مرضين عضالين، أولهما احتلال بلاده والثاني مرض السرطان. سميح عرف طوال حياته الممتدة لحوالي 75 عاما بمقاومته الشرسة للمحتل من الداخل، ويمتاز عن غيره من شعراء المقاومة بتحديه المستمر والرافض للاحتلال من داخل أراضي الـ48، وهو اعتقل وسجن وطرد من عمله وطورد في حياته مرات كثيرة لمواقفه المتصلبة من المحتل ورفض التجنيد الذي فرضه عليه المحتل، ومضى يقاومه بسلاح الكلمة حتى قض مضاجع العدو الإسرائيلي، وقد شعر المحتل بالتأثير العظيم لسميح في جموع الشباب وتخليق حالة رفض عام وتحد لقراراته فحاول إسكاته بكل وسيلة ولم يفلح حتى فلح المرض. غاب الشاعر المتنوع المواهب، صدر له أكثر من 60 كتابا في الشعر والقصة والمسرح والمقالة والترجمة، ورأس في فترة من حياته اتحاد الكتاب العرب والاتحاد العام للكتاب العرب والفلسطينيين ورأس تحرير أكثر من صحيفة وفصلية ثقافية. كانت شهرته قد أطبقت الآفاق العربية ولما يبلغ الثلاثين من عمره وترجمت أعداد كثيرة من قصائده لعدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والروسية والتركية والألمانية واليابانية وحتى الفيتنامية والفارسية، وحاز عدة جوائز عالمية. غاب قيثارة المقاومة وشمعتها المتقدة في غمرة الحرب على غزة، الجزء الغالي من فلسطين الذي ما زال صامدا أمام أطماع (إسرائيل) ومشروعها الصهيو أمريكي في المنطقة، غاب في لحظة هدنة من إطلاق النيران، كأنما الأرض الفلسطينية استكانت لحظات تحية لقدومه إليها، نام وهو يحذر من مغبة مهادنة العدو ويحذر من خبثه. وما حذر منه هو ما يحدث حاليا من حرب استنزاف تشنها (إسرائيل) بغرض إجبار المقاومة على استخدام ذخيرتها من الصواريخ والأسلحة ثم الإجهاز عليها بعد تصفية مستودعاتها وبظنه الخاسر ألا تحصل المقاومة على إمدادات جديدة، وعلى مقاومتنا الشريفة في غزة التنبه لهذا بتقنين استخداماتها. غاب سميح، وأنا أشعر بحنينية خاصة مع اسمه الأول، فقد تركت أشعاره تأثيرا داخليا عميقا في فترة مراهقتي وأنا أعيش حالة الحطام العربي المتفجر آنذاك، غاب سميح والإناء ما زال يتحطم والضربات تشتد، لكن وكما قال سميح ستمضي الحياة وسيموت القهر والظلم والاحتلال وسنعيش نحن. رجل علمنا كيف نعيش ونحيا ونموت ونحن منتصبو القامة، رجل علمنا كيف نخيف الموت منا وألا نخافه، رجل علم أجيالا وأجيالا من شباب فلسطين معنى أن تقول لا أمام سلطان جائر. تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته، وألهمنا وأهله ومحبيه الصبر والسلوان. من أقواله الخالدة التي غناها كل العرب بعده: منتصب القامة أمشي مرفوع الهامة أمشي في كفي قطفة زيتون وعلى كتفي نعشي وأنا أمشي وأنا أمشي.