في سنوات مضت وأعتقد أننا مازلنا مشغولين في رصد الممنوعات في مدارس البنات والأبناء بشكل يفوق التوقعات والمنطق.. نتابع مظهرهم الخارجي حيث منع الشباصة أو ربطة الشعر الملونة.. ناهيك عن وضع لمسة تجميل بسيطة مع منع الملابس الملونة مكتفين باللون الرمادي والكحلي بين مراحل التعليم العام للبنات.. وإصرار قوي على وضع العباءة على الرأس وغطاء الوجه للطفلة والكبيرة على حد سواء.. في الجانب الآخر نتابع الشباب بمنعهم من لبس العقال وأنواع معينة من قصات الشعر تابعناهم في مظهرهم الخارجي وتركنا دواخلهم لغيرنا فاختطفتهم الأيادي يميناً ويساراً والمعلمة مشغولة بشباصة الطالبة والمعلم مشغول بمتابعة عقال الفتى.. والنتيجة أن المدرسة بمضامينها الفكرية تم اختطافها عبرالمنهج الخفي والنشاط اللاصفي حيث بات نشاط "جماعات المصلى" هو النشاط الفاعل في مدارسنا عموماً، والمعسكرات الشبابية في مدارس الذكور أيضاً تأخذ نفس منحى نشاط المصلى وليته علمنا حكمة الصلاة وجمال الانتظام في الصفوف وحكمة الطهارة والنظافة والخشوع ولكن نشاط المصلى كان مسرحهم لاختطاف عقول وأجساد أبنائنا.. يزاملهم معلم ومعلمه اجتهد في غرس محتوى المنهج الخفي في وجدان شبابنا ومعلمينا ومعلماتنا يعيشون جهادهم في تطبيق قوانين المدرسة حيث الشباصة ولون المريول ونوع الدفتر بدون صور وعدد مقنن للصفحات ورفض العقال ومتابعة كيفية حلاقة الفتى لشعره.. بقيت المظاهر لنا ومن اختطف التعليم استلم المضامين.. لو كان لي من الأمر شيء لعاقبت مديرة المدرسة التي تشغل نفسها بتلك التفاهات وكافأت المعلمة أو مديرة المدرسة التي تدهشني بإبداع يفتح أفق التفكير والاختراع لطالباتها. المنهج في التعليم العام يتم تأليفه من قبل أشخاص بعضهم معروف الاسم وبعضهم لا نعرف حتى اسمه.. المناهج لا يتم تحكيمها من قبل لجان متعددة ومتخصصة.. والنتيجة أن أبناءنا يحفظون المعلومات ليقوموا بقذفها على الورق ثم لا شيء يبقى إلا ماحفره داخلهم المعلم والمعلمة بمناهجهم الخفية.. لم يستطع التعليم أن ينقل أبناءنا من عصور مضت إلى زمن قادم.. وتلك إشكالية سهلت اختطاف أبنائنا ففي الوقت الذي نحصرهم بكتاب جامد المعلومة ومعلم منهك بجدول كبير ومعلمة مضغوطة بجدول ومتابعة حضورها بخط أحمر وأصفر ورفض خروجها من المدرسة وإن انتهى جدولها أو تأخرها صباحاً وإن كانت أماً لطفل رضيع وليس لديها حصة أولى.. انشغلنا بالمنع والرفض.. وأغفلنا إتاحة بيئة عمل مريحة للمعلم والنتيجة أنه يتم اختطاف طلبته وهو ربما يرى وربما لا يرى وفي كلتا الحالتين لا يجد في نفسه حاجة لمعالجة الوضع.. لأنه ربما وهنا عمق آخر للخطر لن يجد من يسمعه وربما سيجد من يوقفه وربما يعاقبه.. فالاختطاف لم يكن في المدرسه فقط بل تجاوزها لمفاصل المؤسسه الأم.. انشغلنا في تفاصيل الممنوعات بكل تفاهتها أخذنا من مدارسنا العظام وتركنا لهم اللحم والشحم. تطهير التعليم العام أيضا مطلوب بل وأكثر من ذلك نريد منه أن يصنع بيئة عمل محفزة للمعلم المبدع الوطني وطاردة لغير ذلك.. مدرسة تعلمنا أن الدين عبادات وتعاملات وليس فقط عبادات مدرسة تحمي مجتمعنا من ارتفاع الغش والرشوة والسرقه والكذب والإرهاب على حد سواء.. مدرسة تؤكد أن الوطن مسؤولية الجميع وان إنشاد السلام الوطني في الطابورالصباحي ليس بدعة وان تنويع النشاط بين علم وفن ليس حراماً.. نريد مدرسة تهيئ لنا مواطنين صالحين عموماً وليس عقولاً مفخخة جاهزة لمن يسبق في اختطافها.