في إحدى المجالس العامة، سمعت نقاشاً لا يسر قوله عن الموظف السعودي في سوق العمل، وكانت تتلخص في عدم الانضباط بأخلاقياته، وصعوبة تعامله مع الآخرين وتفكيره المحدود الغير قابل للتطور وعدم تسليمه أي مشروع لأنهم لا يثقون بإدارته. كان النقاش بأكمله يغذي هذه الفكرة بالأمثلة والبراهين ، الجميع يؤكد، السعودي والأجنبي، على الفشل الذريع للعامل الوطني في السوق، لهذا تلجأ الإدارات الحكومية والقطاعات الخاصة في استقدام الأجانب على حد تعبيرهم. لانهم على قدرٍ كافٍ بتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم. هل هذا الكلام صحيح؟ سوف أجيب بحكم خبرتي البسيطة في قطاع العمل الخاص والتي لا تتجاوز الأربع سنوات في أربع منشئات مختلفة. اختلاف الأجرة بين العامل السعودي والأجنبي والمؤهلات واحدة ! يشعر السعودي بالإحباط الشديد تجاه هذه المشكلة ، لماذا يتم تفضيل العنصر الأجنبي، الأغلب من جنسيات عربية، عليه؟ ما هو الفارق بينهم ؟ ولو أتينا للواقع العملي، سنجد أن السعودي لا يقل أبداً عن هذا المنتدب . بل ويتجاوزه في أحيان كثيرة وهذا واقع ملموس داخلياً ويعرفه العاملون في المنشأة . والمدهش بالأمر أن فرق الرواتب بينهما قد يصل للضعف بسهولة ، ناهيك عن الامتيازات الأخرى التي ينالها العامل الاجنبي، والمحاباة التي يتلقاها من الإدارات العليا، سواءً كان أعضاؤها سعوديين أو من جنسيات مختلفة. ألا يحق للكفاءة الوطنية أن تشعر بالظلم وهي تؤدي نفس العمل الذي يقوم به الأجنبي في ظل هذه الفروقات الشاسعة بينهما وتساوي الخبرات والمؤهلات؟ هذه المشكلة تصنع فجوة كبيرة بين العامل وعمله، وتلقي بظلالها على نفسيته، وتجعله رافضاً للتطور الذاتي لكي يحسنّ من آلية الوظيفة التي يشغلها، وتقتل بداخله حس المسؤولية والانتماء لأنه، كما هو متوقع، لن يجد التقدير الذي ينشده وهنا يكمن الاشكال. هل الأجنبي أكثر انضباطاً ؟ يبررّ الكثيرون بأن الأجنبي أكثر انضباطاً من السعودي، هذا الاسقاط هو الأكثر استعمالاً بين المؤيدين لوجود العمالة الأجنبية بنسبة أكبر من الوطنية . وهذه مقارنة باطلة وفاشلة جداً . ليس من العدل أن نقارن أجنبي وحيد بلا أسرته، وهذا الأغلب باعتقادي، بسعودي متورط بالعديد من المشكلات، سواءً في نقل أبناؤه من وإلى المدرسة ، و زوجته إلى عملها، دون ان يلقى حلول تساعده على تجاوز هذه العقبات. هل من المنطقي أن يقوم بدفع 5-15%، وربما أكثر، من مرتبه لكي يتجاوز هذه المعضلة؟ المشكلة ليست بسيطة كما يروّج لها. هل يصعب على منشأة أن تطرح منافسة بين شركات النقل، وتساهم بتأمين جزء يسير من تكاليف النقل لأسرة الموظف؟ أظنها فكرة سديدة تستحق التأمل. إضافةً إلى ذلك، تهتم العديد من منشئات القطاع الخاص بمسألة العمل لساعات إضافية خارج اوقات الدوام الرسمي، و نظام الورديات المرهق لرب الأسرة. في هذا الجانب يبرع الأجنبي ويكون حاضراً لأي مهمة وبأي وقت، بالمقابل يعاني السعوديون من هذه المسألة وقد يتقاعسوا في أعمالهم، والسبب هو التزاماتهم الأسرية والعائلية، والتي تكون غائبة عن العنصر الأجنبي، غالباً، بحكم تواجد عوائلهم خارج الوطن. إن الصورة المأخوذة عن الموظف السعودي مستوحاة من بيئة عمل قديمة، غير جادة في تطبيق اللوائح والأنظمة عليه، فهو لم يعطِ المنشأة حقها بالعمل بسبب التساهل بالإجراءات التأديبية، وهي لم تمنحه ما يستحق في دولة ثرية سريعة النمو. لهذا ظهرت هذه الصورة الهزيلة، ومازالت كذلك، في بعض المنشآت الحكومية. وهي لا تعبرّ بالضرورة عن كافة الموظفين السعوديين الذين يتعايشون مع أصعب أنظمة العمل وأكثرها مشقة، ونجحوا في التأقلم معها وساهموا في انتاجيتها بشكل إيجابي. ومما يؤسف له أن نجد سعوديين يتحدثون بسوء عن أبناء جلدتهم، و وصمهم بأبشع الصفات. وكأنهم بهذا يتشابهون مع العمالة الأجنبية التي تسعى لإحباط الهمم، و الترويج لفكرة أن السعودي «كائن مستهلك، يحب النوم والشيشة، محب لشرب الشاي على مكتبه، غير منتج في عمله ويسعى للهرب مبكراً، وخالق جيد للأعذار الوهمية التي تبررّ فشله في انجاز المهمة». هكذا قال لي أحد المهندسين الأجانب، وأكدّ على ذلك الكثير. فهل من المناسب أن تكون داعماً لهؤلاء الذين يتحدثوا عنك بسوء ؟ شاهد أسواق العمل والمنشآت التجارية من حولك، من هو المهيمن عليها؟ كم الأرباح التي يدرونها شهرياً؟ هل من صالحهم دخول ابن البلد بالسوق كمنافس؟ كل تلك الأسئلة تستحق الطرح في ذهنك، لهذا هم يسعون إلى إشاعة تلك الأفكار الساذجة عنّا، ولا أقصدهم جميعاً، ويحتكرون أسرار المهنة ما استطاعوا إليه سبيلا، كل ذلك لإبعادك عن السوق بشتى الوسائل. حتى أن بعضهم رضي بدفع مبلغ يتجاوز الألفين ريال بمجرد وضع اسمك في شركته، ولا يريدك أن تكون حاضراً لتفهم سر عمله. « أنت نائم في المنزل وتحصل على هذا المبلغ، أنت محظوظ» ، إغراء بجُمل رنانة تجعل شبابنا يبحثون عن رزقهم وهم نائمون، وهم لا يعلمون أن هذا المبلغ صُرف لأهداف أخرى. الغرض من هذه الايضاحات ليس للتقليل من كفاءة الموظف الأجنبي الجيد، بل لوضع النقاط على الحروف فيما يخص الاتهامات التي تطال العاملين السعوديين. وأسباب انتكاسهم السريع في القطاع الخاص المستحوَذ من الأجانب، وأسلوب التطفيش المتبعّ لإبعادهم عن ساحة العمل عن طريق إغراء الشباب بالبقاء في منازلهم. يجب أن نكون أكثر وعياً بفهم التراكمات التي ستُبنى عليها أفكار الآخرين عنّا إذا أستمر المشهد بهذا الشكل، لأن الفاشل هو أنا و أنت وكل أقربائي وأقربائك السابقون واللاحقون في السوق.