×
محافظة المنطقة الشرقية

زار عدداً من الإدارات الحكومية والأعيان وكيل إمارة منطقة الجوف بالقريات يتفقد منفذ الحديثة الدولي

صورة الخبر

* ما الذي يجري لنا ومنا في منطقتنا العربية هذه من بين دول وشعوب العالم كله إذا لم يكن الجنون بعينه..؟! * ما هذه العمليات الدموية الشنيعة التي ترتكب في حق الإنسان دون رادع من دين أو ضمير أو شعور بالإنسانية..؟! * ما الذي أوصلنا إلى هذه الحالة المتردية، ومن المستفيد... في آخر المطاف، من زعزعة أمن الشعوب، وزحزحة الدول القومية، ونشر الرعب بين الناس، واستئناس مشاهد ذبح الناس ونحرهم وقتلهم رمياً بالرصاص، وتعليق رؤوسهم أمام الملأ، والتصفية الجسدية بدون أسباب مقنعة، اللهم إلا السعي وراء حلم الأممية والخلافة الإسلامية، التي هي أقرب إلى الخرافة في هذا العصر..! * كان هذا من بين جملة أسئلة حادة ومحيرة تناولتها قبل هذا اليوم في غير هذا المكان، واجتذبت إليها مئات آلاف المتابعين، وسوف آتي عليها في مقال لاحق. * يبدو أن كل الذي يجري لنا اليوم هو ثمرة واستحقاق لمراحل سابقة من الإعداد الممنهج لهذه المشاهد المأساوية على مستويات عدة، ثقافية وتربوية وإعلامية طالت ثلاثة أجيال من البشر، الذين تعرضوا لعمليات أدلجة ظلامية، ساهم فيها السياسي والفقيه والمعلم والمفكر والمثقف كل حسب رؤيته الخاصة به، فجاءت الثمار على شكل شحنات من الكراهية والغضب والتضاد المدعوم بالجهل والتخلف والأوهام وشرعنة الانتقام. * الفكرة الطالبانية الموغلة في التوحش من الآنية البشرية الحضارية؛ كانت بذرة عربية بامتياز، زُرعت وأُنبتت في وسط عربي مليء بالضجيج الإعلامي والخطابي والفكري المنكوس سياسياً، والمغبون حضارياً، والحالم بزمن فيه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه هارون الرشيد وصلاح الدين الأيوبي، حتى كادت مشاهد المعارك والفتوح التي تدق أبواب حضارات الشرق والغرب، تخرج من بطون الكتب إلى ساحات المساجد، وصالات المحاضرات، وباحات الملتقيات والمنتديات، وعلا صوت الدعوي غير الواعي بمآلات الأمور فوق صوت الفقيه المتخصص، وأصبح الغلو هو سيد الموقف في تفسير ما جرى وما يجري وما ينبغي أن يجري في المستقبل، فإذا التحريض والتجييش هو بضاعة المنبر الديني المختطف من الدعويين الحركيين الباحثين عن شهرة وأمجاد شخصية، وإذا ما يقال للشباب ويرسم لهم هو الطريق المؤدي بهم إلى الجنة، وهو مقدم على ما هي عليه الشعوب من ضبط وربط وأنظمة دنيوية ودينية تستهدف حفظ الدين والمال والعرض. * كانت هذه بدايات (التوحش) الذي رسمه فيما بعد أبو بكر ناجي في كتابه: (إدارة التوحش)، وهو نفسه ثمرة من ثمار الفكرة الطالبانية المتقدمة بيننا، حيث أبحنا لأنفسنا منذ وقت مبكر؛ استخدام الدين كسلم نصل به إلى غايات لا تتحقق إلا به، انطلاقاً من المسجد، والمدرسة، والجمعية الخيرية، والمراكز الصيفية، وبقية المؤسسات التي توفر لنا لاهوتية من نوع ما، كي ننتزع من خلالها وصاية من طرف واحد على المجتمع كله، لنمارس مصادرة عقله، وسلب ماله، وتكفير المخالف والعاصي والممتنع من أفراده. * من هنا ظهرت كرة التوحش النارية، فأخذت تكبر وتكبر وهي تتدحرج بيننا، حتى أصبح الإرهاب الذي يمارس ضد الدول والشعوب؛ جهاداً في نظر المغالين والمتطرفين، والذين هم من أسباب هذه الحالة، وجزء لا يتجزأ منها. إن شرعنة العمليات الإرهابية- فردية أو جماعية- من منابر الدعوة غير المنضبطة، هي التي كشفت الغطاء عن كثير من التنظيمات الحركية التي تتذرع بالدين، بينما هي تسعى لإسقاط الحكومات لأخذ مكانها- قم لأقعد مكانك- وتجلى هذا في خروج التنظيمات الإخوانية في مصر وتونس وليبيا تحديداً، ثم راحت أعناق كثيرة منها؛ ترتفع في عدة أقطار عربية مشرقية ومغربية، مستفيدة من حالة التشرذم التي هي من ساهم في خلقها. * لا يمكن بحال من الأحوال أن يخرج المشهد الدموي المدمر بين البلدين العربيين (سوريا والعراق) عن الحالة العامة التي مررنا بها في منطقتنا العربية طيلة ثمانية عقود تقريباً، ذلك أن مكائن التكريه دارت منذ ذلك الوقت، وأن شِباك الاصطياد ووسائل الانتقام حيكت ودبرت منذ عشرات السنين، وأن صورة (الإنسان- الوحش) الذي يذبح الناس وينحرهم بساطور وسكين في نشوة فرح، ويقود الفتيات بشعورهن سبايا وهو يقهقه، هذه الصورة تكونت منذ زمن بعيد في ذهنية جاهلية متبلدة، مرت في حياتها بمسارات حياتية شديدة الحدة والانعطاف، حتى تحقق عندها تكفير المخالف ووجوب قتله، وتأثيم الحضارة الإنسانية، وأن نعيم الآخرة لا يتحقق إلا بنبذ نعيم الدنيا. * سوف يكتب التاريخ ويشهد، أن الكائنات الإرهابية الدموية في القاعدة وداعش، من أولئك الذين (توحشوا فتدعشوا)، هي ضحايا خطاب ديني دعوي متوحش من أساسه، وأن ذنوب القتلة والمقتولين جميعاً، هي في رقاب المتسببين من مدعي العلم والمتفيقهين فيه، الذين يسكتون اليوم على ما يجري، دون كلمة اعتراف بالخطيئة، ولا اعتذار للضحايا، ولا إنكار على الجرائم التي ترتكب في حق العرب مسلمين وغير مسلمين، على أراضيهم وفي أوطانهم.