رجب طيب أردوغان، ليس اسماً صغيراً في زعامات العصر الجديد، ومهما اختُلف على إدارته للسياسة الخارجية، فهو رجل القوة والنفوذ والعمل الكبير في الداخل، ويعد ظاهرة جديدة بين زعماء تركيا الذين خلفوا «أتاتورك»، والسؤال الحاضر في أذهان مؤيديه وخصومه هو هل تتغيير أساليب إدارته بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية بصلاحيات رئيس الوزراء والجمهورية معاً، وماذا عن علاقاته مع محيطه العربي، والأوروبي، والآسيوي، وهل يتحول لأن يكون أكثر ديمقراطية، أم يصبح «بوتين» تركيا، وفي حال احتكر النفوذ وأداره بنفس صاحب السلطات المطلقة، فما هو تأثير ذلك على عضوية بلده في الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي؟ الرجل حقق لبلده ما عجز عنه الآخرون، وانتخابه في اقتراع حر لم يجامله شعبه لأن المكتسبات التي حصل عليها لمسها واعتبرها إنجازاً فريداً غيّر صورة بلده، من بقية عليل للرجل المريض إلى لاعب إقليمي ودولي، وهي التي وفرت له النجاح على خصومه وتجاوز المتاريس التي وضعوها أمامه إضافة إلى تحويل النظام من برلماني إلى رئاسي، وهذا الحشد الكبير خلفه لم يكن بلا ثمن فهو من بتر سلطة الجيش وفتح الحوار مع الأكراد، والقوى المهمشة الأخرى، واعتماد مبادئ الديمقراطية والتي قيل إنه يسعى لتقليصها ومع جميع هذه الخطوات أصبح رجل تركيا المهم والقوي.. لقد سبقه في نجاح مشروع مماثل «مهاتير محمد» في ماليزيا ويسعى رجل جديد جاء من عمق الطبقات الفقيرة في أندونيسيا التي انتُخب «جوكو» رئيساً لها قام بذات الخطوات التي نفذها أردوغان، بمعنى أن هناك دولاً إسلامية ذات حجم مهم وكبير ستطل على العالم بنماذج زعامات غير التي نراها في سورية والعراق وأفغانستان وباكستان، ونيجيريا وغيرها تتصدر الحدث السلبي في العالم في حروبها وتفككها وذبحها لشعوبها.. علاقة تركيا مع العرب مرت بعدم الاتزان السياسي سواء زمن العسكر أو الحكومات المنتخبة؛ لأن الرؤية في تقويمهم للعرب أنهم خونة قاوموا الخلافة العثمانية والأتاتوركية، لكن محاولات أردوغان قبل أن يصطدم بأحداث مصر في الثورة على الإخوان المسلمين، حاول أن يربط بين انقلابات عسكر بلده مع عسكر مصر، مع أن الفارق في التاريخ والموقف والظروف مختلف تماماً لدرجة اعتُبر حزبه العدالة والتنمية جزءاً من تنظيم الإخوان المسلمين العالمي، وخاصة بعد مواقفه من نظام مصر الجديد ما قلص علاقاته بمعظم الدول العربية، وهي خسارة للطرفين، لأن التدخل في شؤون بلد اختار شعبه نظامه أمر غير موضوعي ولا منطقي، وأردوغان نفسه رفض مثل هذا التدخل من أوروبا وأمريكا لمحافظته على سيادة بلده.. بعد انتخابه رئيساً هل يغير من سياسته ويعيد علاقاته لمحيطه العربي بشكل خاص ليطرح مبادرات تلغي تلك القطيعة، أم يعتبر سلطاته الجديدة تفويضاً بأن يسير على نفس الاتجاه بحيث لا يقدم مشروع عمل تتلاقى عليه عدة أهداف بلعب دور أساسي مع العرب في الشؤون المتفجرة في المنطقة ليعيد احترامه للشارع العربي، وهو مطلب ليس فيه تراجع ذلك أن السياسة تختلف عن المبادئ، وأردوغان «براغماتي» يرى مصالح بلده فوق كل شيء، وهو اعتبار مقبول إذا ما سعى لإعادة تنشيط سياسته دون اعتبارات لما جرى وغيّر صورته عند العربي باعتباره لا يسعى لأن يكون خليفة عثمانياً جديداً في ظروف لا تسمح بعودة التاريخ؟ عموماً نحن ننتظر من الرئيس التركي الجديد خطوة إلى الأمام بدلاً من السير على المنزلقات العربية حتى يكمل الجميع مشروع عمل موحد يعطي للواقع والمستقبل ما هو مطلوب لا مرفوض بعقدة الماضي..