قال تعالى : « وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين» سورة آل عمران : [134] . الإحسان ملكة جميلة , وروضة مريحة , ولذا يجب علينا أن نعطي المعروف والإحسان لمن نعرف ومن لا نعرف وكما قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ « ومن آتى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه « رواه النسائي . قال تعالى « هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ « . ولكن في هذا الزمان نجد كثيراً من الجاحدين تفسَّر عندهم الأمور كما يحلو لهم , فإذا قضيت حاجاتهم أو مطالبهم رأيتهم في بعض الأوقات يشعرونك بأنهم هم المتفضلون ! شئ غريب وعجيب ! لماذا هذا التنكر للجميل أيها الجاحدون ؟ فهل أنتم من شجرة موبوءة لا تثمر إلا العاطب ؟ لماذا تتنكرون لمن أسدى إليكم المعروف ؟ إن صاحب المعروف الأول والأخير هو الله ـ تبارك وتعالى ـ فعليكم بتقديره حق قدره , وليتكم تعلمون ما يلاقيه صانع المعروف في بعض الأوقات من اقتطاع من وقته , وجهد في بدنه , وعناء في نفسه ! وهو يطلب لكم المعروف من أهل المعروف , وقد بذل جاهه وماله من أجلكم .. وهذا هو المهم .. وقد حُسبتم عليه كأنكم من أفراد أسرته .. اهتمَ لهمكم , وقام وبذل جميع ما يملك من أجلكم في سبيل حل مشكلاتكم أو مساعدتكم , أو لمنفعة تجنونها من وراء صنع المعروف وطلب الشفاعة لكم . ونستغرب ونندهش من بعض الفئات المنكرة والمتنكرة لمن صنع وأسدى لهم المعروف , ونتساءل : لماذا تتنكرون وتجحدون على مَن قدم لكم هذا المعروف ؟! أظن أنه ينطبق عليكم قول الحكيم : إذا كانت الطباعُ طباعَ سوءٍ فلا أدبَ يفيدُ ولا أديبُ سبحان الله ! كيف يتنكرون ؟ وبسرعة عندما تقضى حوائجهم من أهل المعروف تجدهم يتمردون , وينسون ما قدمته لهم بالأمس من خير , وينسون أياماً كانوا يترددون عليك , وفجأة عندما تُقضى حوائجهم فكأنهم لم يأتوك بالأمس ! أهذا منطق إنساني أو تعامل بشري ؟!. هناك أمثلة عديدة لا حصر لها .. ولكن علينا أن نعترف بأن من أسدى إلينا معروفاً ؛ قد امتلكنا العمر كله , وهذا تجده عند أناس قلّة هم الذين يحتفظون بالمعروف وعندهم حصيلة إيمانية من خلق طيب . فهم أصحاب مبادئ يحتفظون بالمعروف ؛ لأنهم تربوا على عزَّة النفس ويعرفون قيمة المعروف , ويأتونك بالوفاء ورد الجميل طال الزمن بهم أم قصر . وهنا وفي هذا الموقف نقول وننصح كل من أُسدى له معروف : إن لم تستطع أن تكافئ فلتدعُ بالخير لمن أسدى إليك المعروف , ولتكن كما قال صاحب الحكمة : إذا شربت من بئر فلا تَرْجُمه , وإذا شربت من نهر فلا تعكِّره !. وننصح أنفسنا عندما يُسدى إلينا معروف بألا نجعل الموازين تختل عندنا ولا نجعل الأوضاع تنعكس لدينا , فيصبح الباطل عندنا حقاً ويغدو الحقَّ باطلاً , وأوصيك بألا تفسد فطرة المعروف , وألا تلوث عقلك بأمور فاسدة لا صحة لها ؛ لأن المسلم دائماً يجب عليه أن يعترف بالجميل لأهله , إن اعترافك بالإحسان والمعروف يقوي روابط الأخوة بين الأفراد في المجتمع , ويجعل الوفاء فوق كل الاعتبارات , ويخلق من الإحسان إحساناً .. فالإحسان أرقى أنواع التضامن فيما بين المتحابين في الله عز وجل . كما أن عدم اعترافك بالإحسان يُوهن هذا الوفاء بين الناس , ويُحدث التصدع وإساءة الظن في الكثير منهم , وقد يجعلنا نظن بأن الكثير منا لا يضعون المعروف في مكانه , ولا يقرون بأن كلاً منا محتاج للآخر. علينا ألا نشك ولا نؤول ولا نتنكر لمعروف قدم لنا , ولا لمن أسداه , فإذا احتفظنا لأصحاب المعروف بمعروفهم ؛ فهذا يدل على أصالتنا الإنسانية , ولذا علينا الوفاء بالشكر والعرفان لكل إنسان أسدى إلينا معروفاً , أو قدم لنا نصحاً ينفعنا ؛ فهذا منَّة منه علينا . ولنعلم أن : اعترافك لصاحب المعروف في حياته أو بعد مماته هو قمة الإنسانية