×
محافظة المدينة المنورة

أكثر من 200 شاب وفتاة يستفيدون من برامج جمعية أسرتي بالمدينة المنورة

صورة الخبر

تنص الفقرة الأولى من المادة (20) من نظام ديوان المراقبة العامة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/9 وتاريخ 11/2/ 1391هـ، على أن "يشتمل تقرير الديوان السنوي على تقييم للإدارة المالية للدولة بصفة عامة والإدارة المالية لكل جهة مشمولة برقابة الديوان خلال السنة المالية المعد عنها التقرير وبيان عن الحساب الختامي لتلك السنة". وفي هذا الصدد، يقول أحد الخبراء والمختصين في مجال الرقابة المالية ما نصه: "هناك لبس لدى البعض في مفهوم تقييم الإدارة المالية للجهات المشمولة برقابة الديوان، نتيجة للقصور في فهم موضوع التقييم، أي مفهوم الإدارة المالية، فالبعض ينظر للإدارة المالية كوحدة إدارية ضمن الهيكل التنظيمي للجهاز الحكومي، بينما ينظر البعض الآخر إلى الإدارة المالية محل التقييم على أنها الأنشطة المتعلقة بتخطيط واستخدام ومراقبة المال العام الممنوح للجهة الحكومية لتحقيق أهدافها وتأدية رسالتها". وعلى هذا الأساس، فإن الإدارة المالية ليس المقصود بها تلك التي تسمى الشؤون المالية كوحدة إدارية في الجهة الحكومية، وليس المقصود بها أيضاً تلك الإجراءات الخاصة بالصرف المالي وتحصيل الإيرادات، وبالتالي فإن مفهوم الإدارة المالية أعم وأشمل من ذلك، فهي عبارة عن أوجه النشاط المختلفة المتعلقة بالحصول على الأموال وتنظيم حركتها وإدارتها بشكل فعّال يضمن للجهة الحكومية تحقيق أهدافها، كما تشمل إيرادات الدولة ونفقاتها، والموازنة (الميزانية) العامة، والرقابة على تنفيذها، والأوضاع الاقتصادية والمالية للدولة ككل. فهناك من يرى خطأً على سبيل المثال، انتقال موظفي الجهات الرقابية إلى الجهات الحكومية التنفيذية وتسلمهم العمل فيها كمسؤولين عن الشؤون المالية والمحاسبية، وهذا بدوره أسهم في نظرهم في تقليل حجم الأخطاء والمخالفات المالية، حيث كان لهم دور بارز في الارتقاء بالعمل المالي والمحاسبي، وتطويره وضبط إجراءاته، وبالتالي مساهمة الجهات الرقابية في الارتقاء بالإدارة المالية في الجهات المشمولة بالرقابة! كما يرى آخرون أن الزيارات الميدانية التي تقوم بها الجهات الرقابية للإدارات المالية تعتبر تقويماً مستمراً لأداء هذه الإدارات والوقوف على مدى قيامها بالمهام المالية والإدارية المنوطة بها، من خلال مراجعة السجلات المحاسبية والإحصائية للتأكد من صحة وانتظام القيد والتسجيل بها وفقاً للتعليمات المالية والإدارية المنظمة لذلك، بالإضافة إلى التأكد من صحة الإجراءات المحاسبية والإدارية المتبعة. وبناءً على ما سبق، وكما ذكرت آنفاً، ليس هذا هو المقصود بالإدارة المالية للجهات الحكومية، ولا يحقق الشطر الثاني من الفقرة الأولى من المادة (20) من نظام ديوان المراقبة العامة سالفة الذكر، والمتعلقة بتقييم الإدارة المالية للجهات المشمولة برقابة الديوان، فهذا التقييم وبهذا الشكل هو تقييم جزئي فقط للإدارة المالية ككل للجهة الحكومية، وأستطيع القول بأنه تقييم شكلي أو مبدئي وأولي للإدارة المالية. هذه المفاهيم الخاطئة عن تقييم الإدارة المالية في الجهات الحكومية انعكست أيضاً على تقييم الإدارة المالية للدولة، فللأسف هناك من يرى أن تقييم الإدارة المالية للدولة يعني مراجعة بيانات الحساب الختامي للدولة وإيضاحاته وتحليل العلاقات السببية فيما بينها، ومقارنتها بأرقام وبيانات السنوات الماضية، والتحقق من دقتها مقارنة بالسجلات المحاسبية والإحصائية ذات العلاقة. وهذه الطريقة في نظر البعض تعتبر الوسيلة المناسبة التي تساعد في تقييم جوانب الإدارة المالية للدولة لمعرفة مدى كفاءتها وفعاليتها في أداء الأعمال المنوطة بها! وهنا أتساءل: كيف يعتبر التقييم الأولي للإدارة المالية للدولة تقييما شاملا لجميع جوانب الإدارة المالية في الدولة لكشف أوجه الضعف وإبراز مواطن القوة في تلك الإدارة، ومن ثم تقديم التوصيات اللازمة لمعالجة الانحرافات وتطوير جوانب القوة فيها؟ من المعلوم لدى علماء الاقتصاد أن مشروع الميزانية هو "خلاصة المفاضلات بين البرامج البديلة لتحقيق أهداف المجتمع وإشباع رغباته، واعتماد الميزانية هو تصديق من السلطة التشريعية على أفضلية هذه البرامج وصلاحيتها لتحقيق أهداف المجتمع الاقتصادية والاجتماعية". ولهذا كان على الجهات الحكومية التنفيذية أن تبذل كل ما في وسعها لتضمن سلامة تنفيذ الميزانية المعتمدة لها، وكان على السلطة التشريعية أن تراقب هذا التنفيذ مراقبة مستمرة حتى تتأكد من كفاءة تنفيذ البرامج المعتمدة، وعدم خروج الجهات الحكومية عن السياسات المرسومة لها، ومن هنا ينشأ دور الجهات الرقابية في تقييم الإدارة المالية في الجهات الحكومية المشمولة برقابتها، وكذلك تقييمها على مستوى الدولة ككل. وتقييم الإدارة المالية لا يقتصر على التأكد من سلامة الدفاتر والمستندات الحسابية وصحة تطبيق القوانين واللوائح المالية فحسب، بل تقييم النشاط الحكومي نفسه، فالتقييم يبحث عن مدى تحقيق أهداف الميزانية وبالتالي مدى تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع. فتقوم الجهات الرقابية بدراسات للتكاليف النمطية لكل وجه من أوجه النشاط العام، ثم تتابع ما تم تنفيذه وتكلفة إنجاز كل عمل أو برنامج أو مشروع حكومي ومقارنة ذلك بالتكاليف النمطية للكشف عما صاحب التنفيذ من إسراف أو سوء استخدام للموارد الاقتصادية التي أتيحت للجهات الحكومية. كما يهدف التقييم إلى الكشف عن مدى كفاءة الجهات الحكومية ووضع المقترحات التي قد تراها ضرورية للارتقاء بهذه الكفاءة ورفع مستواها وبالتالي خفض تكاليف الإنجاز أو تحسين مستوى الخدمة التي تقدمها تلك الجهات. قد يقول قائل "إن هذا النوع من التقييم من الأساليب الرقابية الحديثة، ونحن لم نستطع حتى الآن إحكام الرقابة على العمليات المالية من خلال المراجعة المستندية الحالية، فمن باب أولى التركيز على هذا المجال أولاً". وأقول: لا شك أن تطوير أساليب وآليات الرقابة التقليدية في ضوء المستجدات الحديثة مطلب ضروري ومهم، ولكن الإشكالية هنا هي عدم الاعتراف بالمشكلة من الأساس، والادعاء بأن هناك بالفعل تقييما للإدارة المالية للأسف، بالإضافة إلى غموض المصطلح العلمي لهذا المفهوم، والاعتراف بالمشكلة يعد الخطوة الأولى نحو التحديث والتطوير في مجال المراجعة المالية.