حكى لي زميل مستغرباً، أن ابنه اشترى حذاءً أكرمكم الله للعيد، ثم اكتشف أن هناك مشكلة ما في هذا الحذاء، وعندما ذهب لتبديله منعه رجل الأمن من دخول المجتمع التجاري بحجة أن الشباب ممنوعون من الدخول حتى لا يزعجوا العوائل، وكأنما هو جزم بأن الشاب سيؤذي العوائل دونما معرفة أو دليل!! وكأنما الشباب ليسوا أبناء عوائل! فلم أملك إلا أن استغربت وتعجبت معه. فكلما ذهبت لأحد الأسواق وجدت شباباً عند الباب يستجدون بشكل واضح ومهين رجل الأمن أن يدخلهم إلى السوق! والأخير كالعادة لديه تعليمات مشددة بعدم دخول أحد تحت أي ظرف. ولو حدث أي تجاوز من أي كان داخل السوق كان المسؤول عنه رجل الأمن فقط وليس الجاني أو المسؤول المباشر، فرجل الأمن هو الحلقة الأضعف في النظام الأمني للمجمعات. وغالبا ما يشمل منع الدخول أيضا شباباً في مرحلة الرجولة، أي فوق العشرين عاماً، ولا يشمل المنع الشابات من أي عمر. وكما هو معروف فالتسوق إحدى وسائل الترفيه القليلة المتاحة في المجتمع لمن ليس لهم وسائل ترفيه أخرى خاصة مكلفة كالمنتجعات والاستراحات. وقبل أيام ذهبت لأحد المجمعات التجارية لقضاء بعض الحاجيات، فوجدت كالعادة شباباً في عمر الزهور كلهم حيوية وانطلاق يستجدون رجل أمن للدخول، فقلت له: إنهم معي وجزء من عائلتي فأدخلهم حارس الأمن على مضض. وبعد الانتهاء من التسوق وفي طريقي للخروج قابلنى شاب يرتدي ملابس أقل ما يقال عنها إنها فاضحة: «شورت غريب»، وفانيلة تبرز معظم جسده العلوي بشكل مقزز، ويكمل ذلك قصة شعر غريبة، فاستغربت عبوره بهذا الزي جميع الخطوط الأمنية للمجمع. وعبرت عن استغرابي من ذلك لرجل الأمن عند خروجي فأجابني ببساطة هذا الشاب كانت معه عائلة!! أي أدخلته عائلة وانطلق هو يجوب السوق لوحده، وهذا يعني انه إذا كان معك امرأة فلتعبر البوابة وتفعل ما تشاء، وإن من ليس معه عائلة فهو مذنب حتى يثبت العكس حتى ولو كان في غاية الحياء والتهذيب. ولذا فنحن بمنع الشباب بهذا الشكل نمارس نوعاً من الحظر الذي يستند لتعميم غير مقبول على فئة الشباب الذكور فقط ونستثني الشابات، وهذا مخالف لجميع الشرائع والقوانين بما فيها الشريعة الإسلامية وحقوق المواطنة. فالأصل في جميع الشرائع وعلى رأسها الشريعة الإسلامية افتراض البراءة وحسن الظن فلا يجوز أن تسبق العقوبة (الحظر والمنع) الجرم أو الخطأ. كما أن للشاب كمواطن، وعلى وجه الخصوص من هو فوق سن الثامنة عشرة ويحمل بطاقة مواطنة، الحق في أن يدخل لأي مكان لا يوجد فيه ما يخالف الأنظمة والشرائع، فالوثيقة الوطنية لا تحمّل حاملها الواجبات الوطنية فقط ولكنها تكفل له جميع الحقوق التي كفلها النظام الأساسي للحكم أيضاً. وهناك، كما يعرف المشرعون، مفهومان لكلمة شباب أحدهما اجتماعي والآخر شرعي قانوني. الأول يحكمه تكوين المجتمع، وأعرافه، ومدى تطوره، وانفتاحه، والثاني تحكمه الأنظمة والتشريعات. فالشاب يعتبر مواطناً كامل الأهلية بمجرد بلوغه سن الثامنة عشرة. والشباب هم الفئة العمرية الأكثر نشاطًا وحيويةً ومغامرةً، وأكثرهم رغبةً في جلب الانتباه لأنفسهم. ولا يشكل الشباب معضلة كبيرة في المجتمعات المنفتحة المتجددة لأنهم عادة ينظر لهم على أنهم قادة التطور والتجديد. غير أنه في المجتمعات المحافظة ينظر لهم على أنهم فئة مزعجة ومشاغبة نظراً لأنهم يحاولون لفت الانتباه بالتمرد على بعض التقاليد المحافظة التي ينظرون لها على أنها محافظة وتشكل قيوداً عليهم. وليس هناك فرد لم يمر بمرحلة شباب ومراهقة مارس فيها أموراً أعتقد بعد أن تجاوزها أنها نوع من الطيش والتمرد، وكلنا ضحك من صور زيه ومظهره في أيام مراهقته، وكل جيل تمرد على أمور للجيل الذي سبقه، فهذه سنة الكون. وعندما تشاهد صوراً لبعض الأفراد المؤثرين في المجتمع على كافة الصعد في مرحلة شبابهم تستغرب ما كانوا عليه من مظهر وسلوك. ولكن البعض، بعد أن أخذ مرحلة مراهقته وشبابه بالعرض والطول، يمارس قمعاً وسوء ظن غير مبررين تجاه هذه الفئة في كهولته، ويتصرف وكأنما هو وصل مرحلة الرشد بأسلوب الاسقاط دون أن يمر بمرحلة الشباب! وعليه فمحاولة قمع التوهج والحيوية في مرحلة الشباب وفرض معايير الرشد والكهولة عليهم تعد قمعاً لطبيعتهم البشرية وطبيعة مرحلتهم العمرية، وقد تشكل مستقبلياً تشوهاً سلوكياً وخلقياً لهم. فالشباب هم أبناء المجتمع ذاته، وعلى المجتمع الذي أنجبهم أن يتحملهم ويرعاهم ويوفر لهم من الترفيه ما يتناسب وعمرهم وما يتطلعون له. وسبق أن كتبت مقالاً عن ظاهرة «الانبعاج الشبابي» في المجتمعات الإسلامية والعربية نظراً للإنجاب غير المنضبط في هذه المجتمعات مما رفع نسبة الشباب إلى ما يفوق الخمسين في المئة، وهما ربما سبب ما نشاهد حولنا من أحداث تستعصي على فهمنا. والشباب إما أن يكون طاقة حيوية تمد المجتمع بما يحتاجه من زخم ليتطور، أو يكون عالة على المجتمع يستهلك الكثير من الجهد لضبطه وقمعه. وقلما يعرف الشباب التوسط كما يتوخي البعض، فهو إما أن يحاول إثبات قدرته على تحدي بعض قيود المجتمع، أو ينطوي ويتطرف ويتحدى المجتمع من الجانب الآخر وهو الجانب الديني. ويتعلم الشاب في العمر الذي يلج فيه مجتمع الكبار بشكل عملي أكثر منه نظرياً ما له وما عليه في المجتمع، يتعلم كيفية احترام المجتمع والتقيد بأنظمته، ولذا لا بد من إتاحة الفرصة كاملة له بذلك، وعذره أحياناً عندما يخطئ أو يتجاوز بما هو غير جذري ومخل، ولكننا عندما نمنعه من الدخول لبعض مناشط المجتمع كالأسواق ووسائل الترفيه الأخرى نحرمه من فرصة تعلم قد تكون ضرورية لتدريبه على الالتزام بالأنظمة واحترام الآخر بشكل عملي فعلي. وقد نحطمه نفسياً في حال إصرارنا على المبالغة في تضخيم أخطائه، والإيحاء له بأنه غير مرغوب فيه. والمجتمع الذي لا يستطيع التسامح مع أبنائه سيكون حتماً غير قادر على التسامح مع الآخرين. فاحترام الشرائع والأعراف الاجتماعية لا يمكن أن يكون تعسفياً ولا يمكن أن يكون نظرياً فقط. زد عليه أن كثيراً ممن نعتبرهم راشدين يرتكبون في كثير من الأحيان أخطاء أكثر مما يرتكبه المراهقون والشباب، ولكنهم نظراً لخبرتهم في التعامل مع الأنظمة يعرفون كيف يخفونها ويتجنبون الأنظمة في ذلك، أما المراهق فقد يأتي بسلوك غير مقبول بشكل فاضح ليس بهدف الإيذاء بل بهدف لفت النظر فقط. ولكن وللأسف هناك من يخلط في مجتمعنا بين الجانبين الاجتماعي والتشريعي عند التعامل مع هذه الفئة. وما زال الرأي السائد لدينا هو ضرورة تأديب وقمع هذه الفئة أو على الأقل إبعادها عن مناشط حياتنا ونحن لا نعرف أننا بذلك ندفعهم لما هو أسوأ شريطة أن يكون بعيداً عنا، وربما نلقي بهم إلى من يتلقفهم بسوء. فظواهر التفحيط، والتجمعات في أمكان بعيدة عن أنظار الكبار كالإستراحات، أو ملاحق الفلل، أو حتى البراري هي انعكاس لما يمارس ضد فئة الشباب من تهميش. وإذا أضيف لذلك قضايا أخرى مثل البطالة، أو المخدرات، أو حتى الإرهاب، أدركنا أهمية التعامل مع هذه الفئة بنوع من العناية والحساسية.