أحداث غزة الأخيرة أظهرت للعيان مقدار العداء الذي تحمله إسرائيل لجيرانها العرب الأمر الذي استفز مشاعرهم وجعلهم يبادلونها كرها بكره. وهذا البغض المبرر من قبلنا هو ممارسة يبدو أن إسرائيل تنجح على الدوام بزرعها في قلوب جيرانها من العرب. فإن كان هناك خلال السنوات الماضية مَنْ خدعته شعارات إسرائيل الممنهجة بخصوص رغبتها في التعايش مع جيرانها العرب في سلام، فإن الحملة الشعواء التي شنتها مؤخراً على أهالي غزة والمجازر التي ارتكبتها بحق الأطفال الأبرياء، كل ذلك قد وضّح الصورة بأن إسرائيل من أجل تحقيق أهدافها سترسل الجميع إلى الجحيم. فمن كتب من العرب ملقياً اللوم على تصرفات حماس غير المتزنة في استعداء الحكومة الإسرائيلية، قد غفل عن الدور اليهودي الدائم في استغلال أخطاء الغير لتحقيق جملة الأهداف المعنية. كما أنه كان ينطلق من نظرية أحادية تتسم بالسطحية وتخلو من العمق التحليلي لأبعاد الأزمة الراهنة. فحماس كانت تتبع سياسة مناورة خوفاً من أن تستبعد، فهي كانت تسعى من أجل أن تكون طرفا في محادثات التسوية المستقبلية، التي ستديرها حكومة الولايات المتحدة وبإشراف مصري بين حكومة أبو مازن وإسرائيل. في تقديري، أن حماس كانت تدرك بأن تحركاتها سيكون لها بعض الضحايا، ولكنها لم تحسب للمتغير الدولي الذي أعطى لإسرائيل مساحة زمنية كبيرة للتحرك، ومن ثم كان هناك مزيد من حصد الأرواح. وعليه فأنا أرى أن سياستها هذه بها نسبة ليست بالقليلة من الغباء السياسي، وأجدني الآن كغيري في ذات الوقت أتضامن بالكلية مع أبنائنا وإخوتنا من سكان غزة الأبرياء العزل. فلقد نجح أهالي غزة بصمودهم في بعث رسالة للعالم أجمع عن قبح ونازية النظام العسكري اليهودي. وهذه الرسالة رسمت كلماتها العشرات من جثث الأطفال الأبرياء والشيوخ والنساء الذين حصدهم منجل الكره الإسرائيلي. إن العدوان الإسرائيلي الأخير على فلسطينيي غزة قد أعاد تشكيل البنى الفكرية السياسية للشباب العربي. فتلك الأحداث قد دعت جيلا بأكمله للعودة لقراءة التاريخ ومراجعة أحداثه. وغرست في قلبه الكره والعداء لإسرائيل. فهذا الجيل العربي الناشئ لم يكن يعرف كثيرا عن القضية الفلسطينية، وكل ما كان يعرفه عن الصراع العربي الإسرائيلي هو أنه كان هناك ذات يوم ثورة لأطفال الحجارة. هذا الجيل الصاعد والشاب، قد عاد لقراءة واقع الصراع العربي الإسرائيلي وعرف تاريخه أمته خاصة حرب 1948م، التي تم فيها طرد وتشريد الآلاف من العرب من قراهم وعن حالات القتل وعمليات القمع الممنهج، التي مارستها عصابات الأرغون والهاغانا الإسرائيلية بحق عديد من المناضلين الفلسطينيين وإخوانهم العرب الأوائل. كما علم أيضاً ما تمخض عن حرب 1967م من نتائج أبرزها قيام إسرائيل باحتلال القدس وما تبقى من الأراضي الفلسطينية، بالإضافة لاستيلائها على الجولان وبعض الأراضي المصرية وحالات القتل العشوائي التي مورست بحق الأسرى العرب والمصريين خاصة. ومجددا أكرر أن إسرائيل في حربها الأخيرة التي شنتها على غزة، إن كانت قد حققت نصراً عسكرياً حققته على جثث النساء والأطفال والشيوخ الأبرياء العزل، فهي قد خسرت سياسياً وخسرت كثيرا، فقد أدى عملها المتهور هذا إلى تشكيل رأي عربي مناهض لها ولكل ممارساتها القمعية، بل وعاد مجددا ينظر لوجودها بيننا كعدو محتل لأراضي عربية ينبغي أن تحرر.