أيمن حسن سبق: وجّه كتاب ومحللون انتقادات عديدة لنظام التأمين ضد التعطّل عن العمل ساند، الذي أقرته المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، ويبدأ تطبيقه الشهر المقبل، فاعتبر بعضهم أن ساند نظام ضريبي بحت، هدفه زيادة موارد مؤسسة التأمينات الاجتماعية من جيوب المشتركين، ولن يستفيد منه إلا القلة، وأن رواتب الموظفين ضعيفة ولا تسمح بالاقتطاع منها، وطالبوا بأنْ يعاد النظر في هذا النظام، والبحث في تجارب الدول الأخرى التي تمول أنظمة مماثلة دون اقتطاع من الموظفين. وفي صحيفة عكاظ يقول الكاتب الصحفي خالد السليمان: بسرعة البرق أقرت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية نظام ساند الذي سيبدأ تطبيقه الشهر المقبل ويقتطع 2 % من مرتبات الموظفين المسجلين لدى التأمينات الاجتماعية للتأمين ضد الانقطاع عن العمل، ولو كان نظاما يختص بمنح المواطنين منافع لدفن تحت أطنان من الدراسات والأبحاث!. وتحت عنوان قطة ساند! يقول الكاتب الصحفي هايل الشمري في صحيفة الوطن: لا تشكو التأمينات الاجتماعية ضيق الحال لتسن نظاما جائرا كـساند، فصندوقها في سوق الأسهم السعودية يأتي بالمرتبة الثانية ـ بعد صندوق الاستثمارات العامة ـ في قائمة أكبر الملاّك بقيمة تفوق 110 مليارات ريال حتى العام الماضي، هذا عدا استثماراتها العقارية ومداخيلها الأخرى الضخمة.. الحقيقة أن المستفيد الأكبر من نظام ساند هي مؤسسة التأمينات الاجتماعية ذاتها، وذلك بالنظر إلى حجم عائد التأمينات الاجتماعية من ساند مقارنة بأعداد المتعطلين عن العمل الذين أخذتهم المؤسسة ذريعة لتمرير هذا النظام. ويضيف الشمري نظام التأمين ضد التعطل عن العمل ساند هو نظام ضريبي بحت، هدفه زيادة موارد مؤسسة التأمينات الاجتماعية من جيوب المشتركين، ولن يستفيد منه إلا القلة، وليس ذلك فحسب، بل من خلاله يسهل فصل الموظف السعودي والاستغناء عنه من قبل صاحب العمل، بذريعة أنه هو أيضا يدفع نسبة من ذلك النظام. ولا أدل من ذلك إلا قول التأمينات الاجتماعية أن ساند يعطي للمنشأة حرية أكثر في استبدال العامل السعودي بآخر أكثر كفاءة!.. المضحك المبكي، أنه ومنذ عام كان الناس يصرخون الراتب ما يكفي الحاجة، ليفاجأوا بإقرار قَطة ساند، إذاً هناك من يتعمد استفزاز الناس والتضييق عليهم في أرزاقهم. وفي صحيفة الاقتصادية، يتساءل الكاتب الصحفي والمحلل الاقتصادي عبد الحميد العمري ساند لدعم العاطلين أم لدعم مؤسسة التأمينات؟، وبعدها يقدم العمري العديد من التساؤلات التي يطرحها النظام بصورته الحالية ويقول أثير العديد من التساؤلات المهمّة حول النظام، كان من أبرزها: 1) مصدر تمويل النظام، الذي اعتمد في تمويل أرصدته على استقطاعه من الأجور الشهرية للعاملين، إضافةً إلى نسبٍ مماثلة من أرباب العمل. وحسبما صرّحتْ به المؤسسة العامّة للتأمينات الاجتماعية؛ أنّها قامت بدراسة النظام وتطويره بعد الاطلاع على تجارب مماثلة معمول بها عالمياً بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، وسنرى بعد قليل أنّ هناك تجارب أخرى لم تأخذ بها المؤسسة ولا وزارة العمل لاقتصادات وضعها الاقتصادي والمالي إمّا مقارب للاقتصاد السعودي، أو أنّها أقل منه من حيث القدرات المالية والموارد. 2) إنّ أغلب أجور العاملين في القطاع الخاص تعد متدنية جداً، حيث بلغ متوسط أجور العمالة السعودية خلال 2013 نحو 4748 ريالا شهرياً (نحو 4320.7 ريال شهرياً بعد خصم التقاعد)، ومن ثم سيشكّل استقطاع 1 في المائة بالنسبة لذوي الأجور المتدنيّة عبئاً إضافياً، خاصةّ أنّه سيظل بصفةٍ دائمة حتى سن التقاعد. 3) ترى شريحة كبيرة من المشتركين أنّها ستتحمّل فقط عبء تمويل هذا النظام، مقابل ضعف أو انعدام استفادتها منه في المستقبل، نظراً للانخفاض الكبير في معدلات الفصل وفقدان العمل، عدا الصعوبة القانونية لإثبات تلك الحالات. ودفعها للاستغراب الشديد عدم ردّ تلك الاستقطاعات الشهرية إلى المشترك طوال مدة الخدمة الوظيفية في حال لم يتعرّض الموظف لأي من حالات النظام. 4) يتوقع أن تبلغ متحصّلات نظام ساند خلال عامه الأول أكثر من ملياري ريال، يقدّر أن يتجاوز إجماليها خلال عشرة أعوامٍ قادمة بنمو أعداد العمالة وعوائد استثمارها إلى أكثر من 47 مليار ريال. وبالنظر إلى حالات الفصل المتوقعة وفقدان العمل، فحسبما يبيّن التقرير السنوي الأخير لوزارة العمل؛ لم يتجاوز عدد القضايا المنتهية أمام الهيئات الابتدائية بالفصل للعام الماضي 565 حالة فصل فقط، في حين لم يتجاوز مجموع مبالغ النزاع المنتهية التي تشمل الفصل وغيره من قضايا الحقوق النظامية وغيرها سقف 186.9 مليون ريال طوال العام، أيّ ما لا يتجاوز 9.3 في المائة من إجمالي المتحصّلات التقديرية لبرنامج ساند نتيجة تمويله بـ 2 في المائة من الأجور الشهرية للعمالة الوطنية (تدفع بالمشاركة والمناصفة بين صاحب العمل والمشترك). ويضيف العمري: يمثل مصدر تمويل نظام ساند الثقل الأكبر للإشكاليات، التي صاحبت إعلان بدء العمل به، ويستغرب من كلٍ من وزارة العمل والمؤسسة العامّة للتأمينات الاجتماعية؛ لماذا لم يمتد اهتمامهم إلى تجارب الدول التي تموّل مثل هذه الأنظمة التكافلية والاجتماعية من الموارد المالية لحكوماتها، دون فرْض أية رسوم على أجور العاملين لديها؟ على الرغم من أنّ: 1) تلك الاقتصادات تعتبر من حيث وفرة الموارد والثروات أقل بكثير مقارنةً بالاقتصاد السعودي. 2) أنّ تلك الاقتصادات لديها برامج اجتماعية أخرى متعددة الأغراض، ولا تقف فقط عند هذا البرنامج، ورغم كل ذلك فضّلت حكومات تلك الاقتصادات تحمّل تكلفتها، بهدف تحقيق الرفاهية الاقتصادية والتنموية لمجتمعاتها. من أبرز الأمثلة على تلك التجارب، التجربة الأسترالية التي تموّل برنامجها المماثل من خلال ضرائب الدخل التي يدفعها المواطنون، فيما لا يوجد أيّ تأمين إلزامي ضد البطالة يتم فرض رسوم تمويله على العاملين، بل إنّه من اللافتْ أنْ الحكومة الأسترالية تربط مخصصات البطالة مع معدّل التضخم، فتزيد المخصصات المدفوعة كلّما ارتفع معدّل التضخم. هذا بالإضافة إلى أن الحكومة تستمر في دفع الإعانة للعاطل الأسترالي طوال فترة بطالته وانطباق الشروط عليه، بغض النظر عن المدّة الزمنية مهما طالتْ تلك المدّة. أمّا في السويد، فتتحمل الاتحادات العمالية مسؤولية دفع معونات البطالة، التي تموّلها من الاشتراكات المقررة على العمال، حيث وضعت تلك الاتحادات نوعين من الاشتراكات (اختياري، إجباري)، يتمتع الاشتراك الاختياري بارتفاع منافعه تجاه العاطلين المستفيدين منها، أمّا الإجباري ذي الرسوم الأدنى للاشتراك، فيحصل على منافع أدنى من النوع الأوّل. الجدير بالذكر هنا أنّ العاطلين هنا يتسلمون ما يعادل 80 في المائة من آخر أجرٍ شهري تم تسلمه، مقارنةً بألمانيا، التي يتراوح حجم التعويض عن البطالة بين 60 و67 في المائة من آخر أجرٍ شهري، وإيطاليا التي يصل حجم التعويض إلى 40 في المائة، وهذا يفتح النقاش حول ارتفاع المخاطر بصورةٍ كبيرة فيما يخص العاملين ذوي الأجور الشهرية المرتفعة (أعلى من 30 ألف ريال)، حيث لن يلبّي على الإطلاق صرْف 9000 ريال شهرياً لتلك الشرائح، على الرغم من أنّها الشرائح، التي تمثّل الممول الأكبر لأرصدة نظام ساند، قياساً على ارتفاع أجورها الشهرية.. الشاهد من كل ما تقدّم، أن كل بلدٍ ينظر إلى أوضاعه الداخلية ومقدراته قبل أنْ ينظر إلى تجارب الآخرين. وينهي العمري قائلا يأمل أكثر من 1.5 مليون مواطن ومواطنة أنْ يعاد النظر مرةً أخرى في آلية تحصيل تمويل نظام ساند، لتأخذ في عين الاعتبار كل تلك الاعتبارات والمخاطر والاحتمالات غير المأمونة من جانب، ومن جانبٍ آخر الإمكانات والقدرات المالية التي يتمتع بها الاقتصاد الوطني، وضرورة توظيفها في اتجاه تحقيق الرفاهية والتنمية المستدامة للمجتمع.