ما جدوى إقامة ورشات تدريب حول حقوق الانسان ومفاهيم المواطنة وأسس الإدارة المحلية في وقت يدخل النزاع المسلح عامه الثالث في سورية ويتدفق اللاجئون الى خارج الحدود ويعيش النازحون ظروفا قاهرة؟ ربما يبدو الأمر خارج السياق لولا وصف محمد خليل ذلك بأنه «نضال حقيقي يحرم المتطرفين حاضنتهم الاجتماعية». وخليل هو رئيس مجلس أمناء «المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الانسان والحريات العامة» في سورية، وشارك أخيراً في ورشة عمل أقامها «الصندوق العربي لحقوق الانسان» في مدينة غازي عنتاب التركية لممثلي المجالس المحلية في خمس بلدات ومدن خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال البلاد، هي الدرباسية ورأس العين والحسكة ومنبج والقامشلي. ويشرح خليل لـ «الحياة» في اتصال عبر موقع «سكايب» أهمية إقامة ورشات من هذا النوع والمشاركة فيها لأن «الواقع على الارض صعب جداً»، مضيفا: «السلاح منتشر بأيدي مجموعات متطرفة وهي تحاول ان تفرض سلطتها وقيمها، لذلك لا بد من نضال حقيقي لنشر مفاهيم المواطنة وحقوق الانسان لأنها الوحيدة التي تكبح جماح تلك المجموعات وتحرمها من حاضنتها الاجتماعية». وفي بيروت، قال المدير التنفيذي لـ «الصندوق العربي» إيلي أبو عون لـ «الحياة» إن «المجالس المحلية تؤدي اليوم دور حكومات مصغرة لأنها منتخبة محلياً وتمثل سكان تلك المناطق وتدير شؤونهم وهي التي ستشكل في المستقبل نواة الهيكلية الادارية أو الرسمية لذلك يجب الاستثمار فيها». وعن كيفية اختيار المشاركين يوضح أبو عون إنه ليست هناك «حرية في الاختيار لأن المجالس المحلية يختارها الناخبون وهي التجربة الأولى من نوعها. لذلك بحثنا في المناطق المستقرة في شمال سورية والقريبة من الحدود التركية حيث المجالس المحلية تتمتع بالقدرة على العمل». في المقابل، يلفت خليل إلى أن اختيار المناطق له أهمية خاصة من حيث النسيج الاجتماعي والتنوع الطائفي والعرقي ويمكن أن يشكل نموذجاً ناجحاً لأنه يشبه سورية كلها، ذلك ان «هذه مناطق مختلطة بين الأكراد والعرب والسريان والأشوريين ومن الضروري جداً اعداد كوادر مؤهلة ضمن الأحزاب نفسها وهي كثيرة في هذه المنطقة تقتنع بمبدأ التسامح وقبول الآخر وتبحث عن قواسم مشتركة معه لتجنب الصراعات». وبحسب محللين، فان هذه المجالس تواجه مشكلة مزدوجة تكمن في التنافس على السلطة بينها وبين المجموعات المسلحة التي تملك قدرات كبيرة ونفوذاً واسعاً، وفي افتقار أعضائها الى الخبرة الضرورية لتولي المسؤوليات الملقاة على عاتقها، لذلك كان هدف الورشة «توعية أعضاء المجالس بدورهم وتعريفهم بصلاحياتهم وإشعارهم بأنهم أصحاب مسؤولية وليسوا مجرد متفرجين». ويقول أبو عون: «في الجلسة الاولى اشتكى الحاضرون من انتشار الاعتقال التعسفي والتعذيب في مراكز التوقيف وغيرها من الانتهاكات التي يشتكي منها الأهالي أنفسهم. وكانت المقاربة السابقة تجعلهم يرفعون الشكوى للمنظمات الدولية وينتظرون ردها. أما الآن فأدركوا إنهم سلطة منتخبة لها نفوذ يمكنها من منع تلك الممارسات وأنهم مسؤولون عن تحسين الواقع لأن الناخبين فوضوهم بذلك». وتقرر البدء بخطوات عملية منها افتتاح مكتب في الحسكة في شمال شرقي سورية، لتلقي شكاوى تعنى بحالات خرق حقوق الانسان، من الاعتقال المتبادل بين المجموعات المسلحة وتعذيب الموقوفين واختطاف المدنيين لمبادلتهم برهائن وغير ذلك مما يعاني منه سكان «المناطق المحررة». وفي منبج شمال حلب، بدأ تنفيذ مشروع فصل النساء والأحداث عن بقية السجناء. ويقول خليل: «التحدي الفعلي الآن هو قدرتنا على العمل وكسب التأييد الشعبي في مواجهة قوى الأمر الواقع. وأبسط مثال إن أعضاء المجلس المحلي لتل أبيض (شمال شرقي سورية) لم يشاركوا لأنهم تعرضوا لهجوم مسلح واعتقالات دفعت المجلس الى الانسحاب». ويقول أبو عون «هذا مشروع ريادي مدته ستة اشهر والاستمرار فيه أو توسعته ليضم مناطق أخرى يرتبط بمدى نجاحه وفاعليته». ويدرك القيمون عليه ان احدى العقبات هي عدم القدرة على التدريب في الداخل السوري وعدم القدرة على التواصل المباشر مع المشاركين فيتم ذلك غالباً عبر شريك محلي. ويوضح ان هناك مشكلة إضافية قد لا يكون حلها بإقامة تدريب ونتائجها لن تظهر في المدى القريب، وهي «خلفية المشاركين ونفوذهم. ذلك إن 40 سنة (من حكم الحزب الواحد) جعلت من الصعب جداً إدخال مفاهيم وأدوات عمل جديدة. فالمستفيدون من هذه الورشات ليسوا بالضرورة الاكثر كفاية لكنهم الأكثر نفوذاً. لذلك تصبح مهمتنا أصعب في ترسيخ هذه المفاهيم لكنها أيضاً تصبح أكثر فائدة»، مشيرا الى ان عدم وجود تعاون في بعض المناطق التي تضم اكثر من مجلس محلي، بحيث يصل الامر الى «الخصومة أحياناً. فإذا بالمشاركين يقررون اطلاق أول عمل مشترك بينهم وهو ما جرى بين القامشلي والدرباسية، بينما قرر مجلس آخر عقد لقاءات دورية مع السكان لعرض عمله للمساءلة العامة». يضاف الى ذلك، بحسب خليل، مشكلة «الصراع بين الاحزاب السياسية والاجندات الخاصة لكل منها وولاءات بعضها لجهات خارجية على حساب المواطن السوري».