يقع كثير من حالات الغش التجاري ويصل بعضها لدرجة الإضرار المباشر بحياة الناس. هذه العمليات التي لا يمكن أن تتهاون معها الجهات الرقابية هي نتيجة لأسباب كثيرة، كلها لا تقبل الشفاعة فيها، لأن من غشنا ليس منا. يزيد خطر الغش التجاري وفداحته عندما يعلم المتعامل مع الناس بأذى السلعة أو الخدمة أو الشخص الذي ينفذ العمل. من يشتري بضاعة يعلم بأذاها ثم يعيد بيعها للناس، يقترف جرماً مضاعفاً. فهو يعلم بالجريمة ومع ذلك ينفذها بنفس راضية. هذا ما جعل مستوى جودة المنتجات التي تباع في أسواقنا أقل من مستويات الجودة المعتمدة في كثير من دول العالم. قد يعزو البعض ذلك إلى ضعف الرقابة وعدم وجود أنظمة صارمة تمنع دخول المنتجات الرديئة، وهذا صحيح بكليته ولا أخالفه، بل أطالب بعقاب الجهات التي تسمح بمرور تلك السلع بسبب تدني شروط الجودة المعتمدة لديها عن مثيلاتها في دول العالم المتقدم، خصوصاً أن مواصفات الجودة في تلك الدول متاحة ويمكن تبينها، واستخدام الفحوص والقياسات المعتمدة فيها. لكن التاجر مطالب كذلك بأن يحاول أن يرتقي بمستوى المنتجات التي يستوردها. أخص بالذكر تلك المنتجات التي لا تسيطر عليها مواصفات معتمدة ويكون لها وكلاء معتمدون يحددون بصلاحياتهم المواصفات التي تدخل البلاد. تغلب هذه القضية في كثير من البضائع التقنية والسيارات والمواد الكهربائية وغيرها. لهذا تجد الناس يمتدحون نوعيات موجودة على الجهة الثانية من الحدود. يأتي في مقدمة الغش التجاري استخدام موظفين غير مؤهلين لتنفيذ الخدمة المطلوبة أو عدم توفير التجهيزات المهمة لتنفيذ العمل. لعل حال المستشفيات العامة والخاصة يعطينا الانطباع عن فساد كبير في هذه الناحية. السباكون والدهانون الذين تحولوا إلى أطباء في مستشفياتنا، ليسوا أسوأ حالاً من خريجي الجامعات غير المعترف بها الذين يمارسون فساد التشخيص والعلاج في المستشفيات الحكومية والخاصة. قرار وزير التجارة بإغلاق وكالة المتحدة التي كانت تصلح سيارات معيبة وتبيعها على أنها جديدة، يجب أن تتبعه دعوة لكل المتضررين باللجوء للوزارة لمعرفة حجم الغش الذي مارسته الوكالة، ويجب أن تكون التعويضات كبيرة لأن الخدعة في هذا المجال قاتلة. تمنيت لو منعت أصحاب الوكالة من العمل في السوق السعودية مستقبلاً ليكونوا عبرة لمن وراءهم.