مواكبة الشعر العربي للأحداث وتسجيلها على اختلاف المواقف مستمرة ولن تتوقف لكون الشعر (ديوان العرب) مهما تعددت الوسائل واختلفت فإن الشعر سيظل المسجل والمصور الحقيقي للأحداث، حسب القدرات التي يتمكن منها المعبر أن يقول ما يختلج في نفسه من مشاعر وتصورات وآمال شاء ذلك أم رفض، فهو في حالة الموران الشعري، وفي حالة المعايشة للواقع والتمازج معه، وبصفته إنسانا يعي ويدرك ويفكر فإنه لا يستطيع أن يكتم ما بداخله، وأن يجسد ويبني على مايرى ويعايش، قد يُعذر من لا يملك ناصية التعبير بالوسائل المعروفة الكتابة، أو الخطابة بأشكالها، ولكن الشاعر الذي ولج بابه الواسع وكتّف ذاته بسلاسل التعبير بالكلمة الشاعر، أو الكلمة المكتملة التي عناها (هيرمان هسة) فإنه إما حي ينبض في عروقه القول الشعري، أو ميت موات لا حياة فيه، ولا أصفها بلادة لكن مقدرته، لو كان قادرا على أن يبوح بالتحرك كتعبير عن الحياة لما تأخر ولكن هذا قدره، فهو يحترق وناره مضاعفة ولكن انعدام المادة التي يمكنه أن يستخدمها في اشتعاله وفقدانها هي (العذر) أما من أوتي القدرة على الإفصاح تعبيرا بالشعر فليس له عذر لأنه لا يقر أن يصمت، فحياته هي كلماته التي استوت بنار القلب المتقدة مع الحياة، وفي الوقت الراهن هناك من يرى أن الشعر العربي في أكثره لم يعد يعنى بالتسجيل والتصوير لأن وسائل الإعلام والتواصل الحديث قد ضيقت عليه الخناق، فالمحللون بالعشرات، والمنظرون السياسيون كما هم، والمتحذلقون والباحثون عن المنابر لقول أي شيء لكي تظهر الصورة أكثر وأكثر، فصار الشاعر يرى أنه في دائرة ربما يكون محيطها صفراً، وهذا خطأ غير مقبول، من الوسيلة الإعلامية التي ابتعدت عن الشاعر، فالشاعر لو أنه وجد من يفسح له المجال في هذا الإطار العام لما تأخر، فهو دون شك يمور في داخله وخارجه عنده المادة ولكن طبيعة الشاعر تأبى أن يتصل ويتوسل لكي يظهر، هو يريد أن يكون مساويا للآخر بأن يطلب بالطريقة التي تتلاءم معه كشاعر له وزنه ولمادته التي تعب وعانى في ترتيبها وجمعها، ومن ثم احترامه (أولا). قيل بانه بعد رحيل الشاعرين نزار قباني، ومحمود درويش "مات الشعر العربي" وهذا قول ساذج فالشعر العربي مستمر على مر العصور هناك أجيال من الشعراء تعاقبت أجيال يدف بعضها بعضا، ولم يمت الشعر أو ينتهي، فالدواوين تترى ودور النشر تنشر، والقضايا المهمة في المقدمة، وقضية العرب الماثلة والتي لا أستثني أحدا من العرب أنه يعايشها ويتفاعل معها ويحمل همها وهي ( قضية فلسطين) باقية.. باقية.. باقية.. لن تموت، والشعر قال ذلك من بداياتها في القرن الماضي. علي محمود طه (المهندس) لما تزل قصيدته الخالدة: أخي جاوز الظالمون المدى * فحق الجهاد وحق الفدا وشاعرنا الإنسان الرقيق ( طاهر زمخشري ) بعد الحرب العالمية الثانية في تلك الفترة البعيدة: ليس في الأرض للذليل ديار * وفلسطين للعروبة دار وقرار التقسيم أسود داج * وجلاء اليهود عنها نهار ورثوا الذل من قديم ومازال * يقفي خطاهمو أين سارو تبتغي في مرابض الأسد دارا * وبكهف الأسود كيف القرار هي أرض ومن دماء بنيها * سوف تسقى إذا تمادى النفار تلك صور من المشاعر العربية في بدايات القضية الأم (فلسطين) التي تفاعلت معها النفوس الأبية والمشاعر الإنسانية، ومضت السنون وتشابكت الأحداث: وجرى قرار التقسيم الذي (هو جوهر المشكلة) ففي السلام كان الشاعر خالد الفرج وكأنه يستقرئ الأحداث الراهنه: ياسلم هل لك في الوجود حقيقة * حتى يسطر باسمك الميثاق إن الشعر مع (القضية)والقصية كل يوم تركب لها أجنحة بمسميات مختلفة.. الأيام تمر والتشتت والتكتلات، والمراوغات. السياسية، وتباعد القلوب مع اختلاف النظرات مططت الأمور ولازالت إلى اليوم، والشعر يصور ويعبر ولم يتكئ، ولكن مَنْ يعطي الشاعر حقه على مسرح الساحة الإعلامية التي يتوجب عليها أن تلتفت إليه مثلما تلتفت إلى هذا الكم الهائل من المتحدثين منهم يخطئ ومنهم يصيب، ومنهم من(يدرعم) ستبقى هناك نفوس يتردد فيها ويشغلها ما أشغل من قال: سجل أنا عربي ورقم بطاقتي خمسون ألف وأطفالي ثمانية. ومثل محمود درويش هناك من يتذكر قول نزار قباني: وحدويون والبلاد شظايا * كل جزء ممزق أجزاء ويوسف الخطيب: أكاد أومن من شك ومن عجب * هذي الملايين ليس أمة العرب **أي عيد "مع الأحداث الجارية في غزة " إنزوى الصوت ونادى ناعقا: (عدل سلام) والسلام العادل المأمول في المد وفي الجزر.. وفي كل اتجاه ووعود تتلكأ ولقاءات تصور ووفود كالطواويس اختيالا برزت في كل وقت بعد آخر غير مجد.. فالإذاعات ببث كا المبشِّر بالمكاسب وبإنجاز لركب في الحضارة متناسين بأن المدفع الجبار في وجه الحجارة أترى غم عليهم ؟! فبحت حناجرنا صغارا وهتفنا مع من يهتف في فيء الكهولة ثم عدنا في انكسار نزهو بثوب مستعار نبتسم ونوزع .. كل أخبار طوال/قصار لوكالات الصحافة ميكروفونات الإذاعة وشاشات الفضاء آخر أخبار السلام ووفود في وفود (من جديد)!!