"رب أخ لك لم تلده أمك" هذا المثل الدارج الذي يقال عندما نرى علاقة صداقة قوية بين اثنين وود وتقارب قد لا يوجد بين الأشقاء، وكنا نعتقد أن هذا المثل حقيقي معنويا ولم يدر بخلدنا أن تثبت الدراسات يوماً أن صديقك يحمل فعلاً جزءا من جيناتك، فهل نحن فعلا الذين نختار أصدقاءنا بناء على التشابه الفكري وتقارب الطباع، أم أن هناك شيئا خفيا يدفعنا لاختيار أشخاص دون آخرين ليكونوا أصدقاء؟ وهذا ما توصل إليه الباحثان الأمريكيان بروفيسور جيمس فاولر من جامعة كاليفورنيا والبروفيسور نيكولاس كريستاكيس من جامعة ييل، ليثير ذلك جدلا واسعا بين العلماء والباحثين حينما خلصوا إلى أن الأصدقاء بينهم تشابه في الجينات أكثر من الغرباء! وأجريت الدراسة على نحو ألفي شخص ضمن دراسة طويلة الأجل لعوامل خطورة الإصابة بأمراض القلب بين أبناء المدينة الواحدة، بدأت منذ عام 1948 إلى يومنا هذا على سكان مدينة صغيرة في أمريكا تدعى "فرامنجهام" في ولاية فاسانشوستس ونشرت في دورية "بي إن أيه إس". ووجدوا أن جينات الأصدقاء تتشابه بنسبة 1 في المائة في المتوسط، ورغم أن هذه النسبة بسيطة إلا أنها تطابق نسبة التشابه بين أبناء العم من الدرجة الرابعة، ووجدوا أن أكبر تشابه في جينات الأصدقاء هي الخاصة بحاسة الشم، بينما وجدوا اختلافا في الجينات الخاصة بالتحكم في الجهاز المناعي. ويفسر الباحثون ذلك بأن الجينات هي الدافع وراء تقارُب البشر للاشتراك في أداء أنشطة بعينها، أو تقاسُم بيئة دون غيرها؛ فحاسة الشم دفعت الإنسان في القِدَم إلى مرافقة من يشاركونه حب رائحة الدماء في الصيد، واليوم تجد محبي رائحة القهوة يترافقون إلى المقهى، ومحبي رائحة البحر يقرب بينهم هذا العشق ويتشاركون الرحلات البحرية. أما اختلاف الأصدقاء من الناحية المناعية فيمنح الأصدقاء مناعة إضافية فتتباين درجة مقاومتنا وأصدقائنا للأمراض، وتوقيت إصاباتنا بها؛ وذلك للحد من انتشار الأمراض ــ سبحان الله. وهذا يدعم أبحاثا سابقة وجدت أن الزوجين أيضاً لديهما جينات مختلفة في نظام المناعة! ورد الباحثان على شكوك العلماء الآخرين عندما قالوا: "إن هذا التشابه الجيني بسبب أنهما أقارب في الأصل أو متحدرين من العرق نفسه أو التقسيمة السكانية" بأنهم سألوا كل مشارك عن أقرب شخص له من المشاركين عند تقديمه عينات الـ "دي إن أيه" ليتعرفوا على الأصدقاء واستبعدوا من تربطهم قرابة ثم درسوا "معامل القرابة" بين اثنين من الأصدقاء والغرباء وظهر لهم أن معامل القرابة أعلى عند الأصدقاء! وهذا يؤيد مقولة أن "الأصدقاء هم العائلة التي نختار"!