دار الزمان دورة استغرقت منه مائة عام، بعد كارثة الحرب العالمية الأولى، أو الحرب العظمى، أو الحرب الكونية، أو الحروب الأوروبية، حسب تصورات ناس ذاك الزمان.. بقتلاها التسعة ملايين. شرارة الحرب كما يعلم المهتمون كانت بيد شاب صربي قومي متحمس قتل ولي عهد إمبراطورية النمسا والمجر، الأمير فرانز فرديناند، لتحمل الإمبراطورية على الصرب، ولتنتصر روسيا القيصرية لربيبتها السلافية الصربية، وتنحاز ألمانيا إلى النمسا والمجر.. وتدخل فرنسا، وريثة العداء مع ألمانيا، وبريطانيا على خطى الحرب الهائلة، ويصاب العالم بالجنون. حرب لم تقتصر على ممالك السلالات الأوروبية الحاكمة، التي ورثت أرستقراطيتها من العصور الوسطى، بل شملت العالم كله تقريبا، من اليابان شرقا إلى أميركا غربا، مرورا بإمبراطورية بني عثمان، ومنطقتنا العربية. أسماء، أفكار، مفاهيم، حدود، نزاعات، منظمات، قوانين، أشعار، روايات، فلسفة، حركات وجماعات، تطايرت من حريق تلك الحرب، وما زالت تحوم فوقنا مثل العُقاب المنقض. أتاتورك، جمال باشا السفاح، الشريف حسين، فيصل بن الحسين، مؤتمر باريس، الجنرال اللنبي، لورانس العرب، معاهدة سايكس بيكو، وعد بلفور، سعد باشا زغلول، الوفد، ثورة 1919، وغير ذلك كثير.. عناوين وأسماء موجودة وفاعلة في منطقة الشرق الأوسط، إبان تلك الحرب الملحمية، وما زالت. حاولت أمم الشرق والغرب توظيف كل ما يمكن توظيفه من أجل الظفر بهذه الحرب، واختلف تعريف النصر من أمة لأمة، ومن زعيم لزعيم، ومن فكر لفكر، من أميركا «عصبة الأمم» ذات النفس الويلسني الإنساني، إلى معاهدة فرساي التي رأى فيها الألمان إذلالا، وكانت هي وقود الغضب الألماني الهتلري الجامح، فيما بعد. في منطقتنا، كان العرب يتقلبون على حلم دولة كبرى يقودها الشريف حسين وأنجاله، وقد وعد البريطانيون بهذا، كانوا أسخياء الوعود في تلك السنوات، من أجل تمرير المرحلة، وكان حلم الدول القومية يداعب جفون الطامحين، من كرد وأرمن، وغيرهم. كانت مرحلة انفجار الأفكار القومية، وفي نفس الوقت كانت تبذر فكرة خطيرة انفجرت بعد نحو نصف قرن من الزمان، بعد هزيمة 1967، العربية المصرية الكاسرة، حين تفشت فكرة العودة «للخلافة» العثمانية، وفق دعاية السلطان عبد الحميد الكثيفة والممتدة طيلة فترة حكم عبد الحميد (من 1876 إلى 1909). الإمبراطورية العثمانية «العليّة» اضملحت كغيرها من إمبراطوريات ذاك الزمان، في روسيا والنمسا والمجر، بسبب هذه الحرب، وكانت ثورة الجنرال العثماني «الغازي» مصطفى كمال أتاتورك، لإنقاذ الوطن من الغزاة الإنجليز والروس، وتوّج الغازي أتاتورك بطلا في عيون الترك في الحرب العالمية الثانية، بعكس السلطان الهزيل في إسطنبول، مما مهد لاحقا، ضمن أساب أخرى، لإلغاء خليفة بني عثمان الصوري، وهو الإلغاء الذي سبب سلسلة من الآراء والأفكار العصبية لدى كثير من مسلمي ذاك الزمان، خصوصا من تأثر بدعاية العهد الحميدي، المؤسطر لموقع الخليفة والخلافة. وما زلنا في حالة النواح تلك حتى خرج لنا «خليفة» داعش ليضّمد جراح تلك المرحلة! لم نخرج بعد بتسوية نهائية، وكأنها غمضة عين تلك المائة عام.. كأنها. m.althaidy@asharqalawsat.com