عندما يقول وزير العدل وعضو هيئة كبار العلماء الدكتور محمد العيسى في حواره مع «عكاظ» يوم أمس، «إنه من المهم أن تأخذ مشاركة العلماء بزمام المبادرة لا ردة الفعل ليكون أثرهم أقوى وأمضى» فإنه يشير إلى جانب مهم في مشكلة متعددة الجوانب والأسباب، وربما يكون أحد جوانبها الأخرى المهمة هو: من هم العلماء تحديدا الذين يتوفرون على العلم الشرعي المستفيض والاستنارة والاعتدال والأمانة في قول الحق بحيث تنطبق عليهم هذه الصفة ويليق بهم هذا الوصف؟ الجهة الوحيدة ذات الصفة الاعتبارية أمام المجتمع والمسؤولية أمام الدولة هي هيئة كبار العلماء، لكنها استمرت لفترة طويلة مع الأسف تمارس دور ردود الأفعال وحيال قضايا محدودة جدا، ولا نتهمها بأنها تعمدت ذلك لأسباب مشكوك فيها وإنما قد تكون نمطية العمل والأداء الذي اعتادت عليه منذ إنشائها هي السبب في عدم مبادرتها أو اهتمامها بمتغيرات القضايا وأولوياتها وأهمياتها، ثم إنها هيئة تكتفي بإصدار البيانات والتعاميم والفتاوى وليس لها مشاركة ميدانية أو إشراف مباشر يضمن عدم تداخل الآراء واختلافها في الواقع. وفي المقابل، هناك فئة من الذين أعطوا أنفسهم صفة العلماء وارتضت لهم شريحة كبيرة من المجتمع هذه الصفة رغم عدم انضوائهم تحت مظلة رسمية أو إشراف على صلاحية ما يقدمونه من آراء وفتاوى. بعض هذه الفئة هم الذين سيطروا على الذهنية المجتمعية وامتلكوا المنابر خلال العقود الثلاثة الماضية، وتسببوا في إشكالات نتيجة آرائهم المتطرفة وميولهم المتشددة وأهوائهم السياسية، وتعمدوا التشكيك في دور هيئة كبار العلماء ومصداقية آرائها حيال قضايا حساسة، وبالتالي تسبب تراجع دور الهيئة من جهة ونشاط هذه الفئة المتزايد دون ضبط، تسبب في إشكالات كبيرة أبرزها التمهيد لانتشار الفكر الديني المتطرف الذي أدى إلى خروج وحش الإرهاب الذي استهدف الوطن في فترة ماضية وعاد يهدده في الفترة الأخيرة. ومهما تم تنشيط دور هيئة العلماء إلا أنه لن تكون هناك نتيجة كما نأمل إلا بضبط الخط الموازي الذي يصطف فيه طابور طويل من علماء الضد للعقل والسماحة والرحمة والحق وكل القيم النبيلة في دين الإسلام. لم يعد هناك وقت لاستمرار الخلط والبلبلة الذي يمارسه طابور العلماء المضاد الذين اتضحت نواياهم وتكشفت حقيقتهم، ولا بد من الحفاظ على الوطن والسلم الاجتماعي من خطرهم الكبير.