حتى عصر يوم أمس، أبدت الحكومة الإسرائيلية، التي تشنّ عدواناً وحشياً على قطاع غزة، وحركة المقاومة الإسلامية «حماس» التي تسيطر على القطاع، جدية في الالتزام باتفاق هدنة لمدة 72، برعاية مصرية، يعطي الفرصة لبدء محادثات ومفاوضات تفضي إلى إيجاد حلول لحصار إسرائيل للقطاع المستمر منذ سنين. وأعلنت إسرائيل سحب قواتها من القطاع. وقبل أسبوع أعلن الجيش الإسرائيلي أن عدوانه على غزة يحتاج إلى أيام لتدمير الأنفاق ومراكز إطلاق الصواريخ. وهذا هو مشروع الهدن الثالث، إذ سبقه إعلان هدنتين جرى خرقهما. وقال متحدث عسكري إسرائيلي: إن الجيش الإسرائيلي استكمل مهمته الرئيسية وهي تدمير أنفاق التسلل عبر الحدود. وقال مسؤول إسرائيلي: إن إسرائيل أغلقت المجال الجوي المدني فوق تل أبيب خلال الساعة التي سبقت بدء سريان الهدنة تحسباً لإطلاق صواريخ من غزة كما تم تأجيل إقلاع وهبوط طائرات في مطار بن جوريون. وقبل دقائق على بدء العمل بالتهدئة الجديدة تعرضت مناطق من قطاع غزة لغارات شنها الطيران الإسرائيلي فيما سقطت صواريخ أطلقتها حماس على حوالى عشر مدن إسرائيلية، كما أعلنت ناطقة باسم الجيش الإسرائيلي ومتحدث باسم حماس. وفي غزة، قال الناطق باسم حماس، سامي أبو زهري: إن "التهدئة دخلت حيز التنفيذ عند الساعة الثامنة صباحاً، والفصائل الفلسطينية تؤكد التزامها وندعو الاحتلال للالتزام وعدم العودة لخرقها". وقال أبو زهري: إن العدوان الإسرائيلي على القطاع المكتظ بالسكان "فشل بنسبة مائة بالمائة" في تحقيق أهدافه. وكانت حركتا حماس والجهاد الإسلامي أبلغتا القاهرة الليلة قبل الماضية موافقتها على تهدئة مع إسرائيل لمدة 72 ساعة، اعتباراً من صباح الثلاثاء. وكانت حماس، في خطأ دبلوماسي فادح، قد أعلنت رفضها التدخل المصري في بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، مما تسبب في غضب شديد في القاهرة، وإعطاء إسرائيل فرصة لتصعيد العدوان، لكن يبدو أن خطورة الأوضاع أرغمت المنظمة الفلسطينية المتحالفة مع تنظيم الإخوان المسلمين على الاستماع مجدداً إلى القاهرة والقبول بالوساطة المصرية. من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، انسحابه الكامل من القطاع. وقال الجنرال موتي الموز، المتحدث باسم الجيش، لإذاعة الجيش الإسرائيلي: "كان هناك عدد من القوات في الداخل...ولكنها غادرت بأكملها" من قطاع غزة. وكان المتحدث باسم الجيش بيتر ليرنر، قال للصحافيين: إن "الجيش سينتشر خارج قطاع غزة في مواقع دفاعية (في إسرائيل) فور دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ". غير أن المتحدث هدد بأن الجيش سيرد على أي هجوم انطلاقاً من قطاع غزة. ترحيب دولي بالتهدئة وكان الإعلان عن التهدئة صدر ليل الاثنين الثلاثاء، وقال نقلت وكالة فرانس بريس عن مسئول مصري مسؤول قوله: "اتصالات مصر مع مختلف الأطراف أدت إلى التزام بتهدئة تستمر 72 ساعة في غزة" إضافة إلى الاتفاق على أن تحضر بقية الوفود إلى القاهرة لإجراء مفاوضات أكثر شمولاً". ورحبت الولايات المتحدة، والأمم المتحدة بإعلان الاتفاق على التهدئة. وقال مساعد مستشار الأمن القومي، توني بلينكن لشبكة "سي ان ان" الأميركية: "إنها فرصة حقيقية. إننا ندعم المبادرة بقوة"، مؤكداً أن هذه المبادرة "ستتيح الوقت لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا التوصل إلى وقف لإطلاق النار لمدة أطول. هذا هو الهدف". وزعم بلينكن أن الكرة الآن في ملعب حركة حماس التي يتعين عليها أن "تبرهن أنها ستحترم وقف إطلاق النار". من جهته، رحب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بالاتفاق، مطالباً الطرفين بالالتزام به وبـ"ممارسة أقصى درجات ضبط النفس" بانتظار بدء سريانها. وطالب الأمين العام في بيان كل من إسرائيل وحماس بـ"البدء في أسرع وقت ممكن بمفاوضات في القاهرة للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، ومعالجة المشاكل التي هي في أصل" النزاع. وأضاف البيان: إن "الأمم المتحدة مستعدة لتقديم كل الدعم لهذه الجهود" الرامية لتسوية النزاع. اجتماع أممي وفي قطاع غزة، حيث تشرد نحو نصف مليون شخص، غادر بعض السكان ملاجئ الأمم المتحدة، حاملين أطفالهم ومتاعهم، للعودة إلى أحيائهم التي دمرت أجزاء كاملة منها، في وقت تعد الأمم المتحدة لـ"اجتماع غير رسمي" للجمعية العامة يعقد اليوم الأربعاء، ويناقش الأوضاع في غزة، ويفترض أن يحضره الأعضاء الـ193 في المنظمة الدولية. وأعلن متحدث أممي، أن الاجتماع سيعقد بدعوة من مجموعة الدول العربية في الأمم المتحدة، وستستمع خلاله الجمعية العامة إلى إفادات العديد من كبار المسؤولين في الأمم المتحدة، من بينهم المفوضة العليا لحقوق الإنسان نافي بيلاي ورئيس وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) بيار كراهنبول ومنسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط روبرت سيري. وبدأ العمل بالتهدئة في اليوم التاسع والعشرين لبدء الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة الذي أسفر منذ 8 تموز/يوليو عن مقتل أكثر من 1865 فلسطينياً معظمهم من المدنيين فيما قتل من الجانب الإسرائيلي 64 جندياً وثلاثة مدنيين. وأعلن مسؤول في وزارة الاقتصاد الفلسطينية، الثلاثاء، أن الدول المانحة ستجتمع في أيلول/سبتمبر المقبل، لبحث تمويل إعادة إعمار قطاع غزة، مقدراً قيمة الخسائر المباشرة للعملية الإسرائيلية بما بين 4 إلى 6 مليارات دولار. تعزيز الهدنة مقدمة لمفاوضات وكان من المتوقع أن ترسل إسرائيل مبعوثين للانضمام إلى محادثات في القاهرة، بهدف التوصل إلى اتفاق طويل الأجل أثناء سريان الهدنة. وقال وزير الشؤون الاستراتيجية في إسرائيل يوفال شتاينتز لإذاعة الجيش الإسرائيلي: "لا توجد اتفاقات. كما قلنا الهدوء سيرد عليه بالهدوء." وفي واشنطن أشادت وزارة الخارجية الأمريكية بالهدنة وحثت الأطراف على "احترامها بشكل كامل". وقالت جين ساكي المتحدثة باسم الوزارة: إن واشنطن ستواصل مساعيها لمساعدة الأطراف على تحقيق "حل دائم تتوافر فيه مقومات الاستمرارية لأجل طويل." وقد تكون جهود تعزيز وقف إطلاق النار والتوصل إلى هدنة دائمة صعبة في ظل تباعد مواقف الطرفين في قضايا مهمة ورفض كل منهما الاعتراف بالآخر. وترفض حماس الاعتراف بإسرائيل كما تصف إسرائيل الحركة بأنها جماعة إرهابية، وترفض أية علاقات معها. وإلى جانب الهدنة يطالب الفلسطينيون بإنهاء حصار القطاع الفقير، والإفراج عن أسرى اعتقلتهم إسرائيل، في إطار حملة بالضفة الغربية المحتلة بعد خطف وقتل ثلاثة طلاب يهود. ورفضت إسرائيل هذه المطالب من قبل. وقال وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي: إن هناك "أدلة واضحة" على ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب في غزة. وأضاف للصحفيين بعد اجتماع مع ممثلي الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، أمس، في مسعى للتحقيق، انه خلال الثمانية والعشرين يوماً الأخيرة كانت "هناك أدلة واضحة على أن جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل تصل إلى جرائم ضد الإنسانية." وقال: "يجب أن نبذل قصارى جهدنا لتمكين المحكمة الجنائية الدولية من تطبيق العدالة على مرتكبي جرائم الحرب." وصرح بأن حكومته تبذل جهوداً حتى تصبح فلسطين عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وهي خطوة تعطي المحكمة صلاحية النظر في جرائم مزعومة في الأراضي الفلسطينية. ولكن في المقابل، فإن الولايات المتحدة تستمر في تشجيع إسرائيل في عدوانها، فقد وقع الرئيس الاميركي باراك اوباما يوم الإثنين، على قانون يتيح تقديم 225 مليون دولار لتمويل منظومة القبة الحديدية الدفاعية لاعتراض الصواريخ التي تطلقها حماس على اسرائيل قبل وصولها إلى أهدافها. إسرائيل تريد نزع سلاح غزة قال متحدث الجيش الإسرائيلي ليرنر: إن الجيش دمر الليلة قبل الماضية آخر مجموعة من بين 32 نفقاً حدد مواقعها في غزة وحفرتها حماس لشن هجمات عبر الحدود، بتكلفة قدرت بمائة مليون دولار. ومضيفاً: "انتهينا من القضاء على هذا التهديد." لكن مسؤولين إسرائيليين يقولون: إن بعض الأنفاق ربما لم تكتشف وإن القوات على استعداد للهجوم عليها في المستقبل. ويريد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أيضاً، نزع سلاح حماس وغزة والقضاء على ترسانات صواريخ استخدمت لإطلاق أكثر من 3300 صاروخ وقذيفة مورتر، خلال الشهر المنصرم. وترفض حماس هذا. وقال مارك ريجيف المتحدث باسم نتنياهو لتلفزيون رويترز: "بالنسبة لإسرائيل، فإن المهم هو قضية نزع السلاح. يجب أن نمنع حماس من إعادة التسلح ويجب أن ننزع سلاح قطاع غزة." ومنذ بدء القتال لم تصمد هدنات سابقة كثيراً. وقال ريجيف: إن إسرائيل قبلت الشروط المصرية قبل أسابيع من موافقة حماس عليها، وعبر عن الأمل في صمود الهدنة. وقال: "أتمنى أن يصمد وقف إطلاق النار هذه المرة، فهذا أمر جيد للجميع." وقامت مصر بدور الوساطة في حملات إسرائيلية سابقة على غزة، لكن حكومتها ترى في حماس تهديداً أمنياً. وإلى جانب خسارة الأرواح، تكبد طرفا الصراع خسائر اقتصادية. وتواجه غزة ميزانية ثقيلة بقيمة ستة مليارات دولار لإعادة إعمار بنيتها التحتية المدمرة. وتكبدت إسرائيل خسائر بملايين الدولارات في قطاع السياحة وغيره، وتخشى تراجع نموها الاقتصادي الإجمالي هذا العام أيضاً.