بحلول شهر أغسطس 2014م تكون 100 عام قد مرت على الحرب الكونية الأولى، هذه الحرب التي أصبحت فاصلة كبيرة وعريضة في التاريخ، صارت علامة تاريخية فارقة، أصبح التأريخ ما قبل الحرب وما بعد الحرب، خرج من رحمها عالم جديد، اختفت بنهايتها أربع إمبراطوريات، الإمبراطورية الألمانية، الإمبراطورية النمساوية المجرية، الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية. أعيد ترسيم أوروبا بعدها، خضع الوطن العربي لاحتلال فرنسي بريطاني (اتفاقية سايكس بيكو). بدأت الحرب في 28 يوليو 1914م ووضعت أوزارها في 11 نوفمبر 1918م، أربع سنوات من الرعب والدماء والتدمير لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل، قتل فيها 9 ملايين من البشر و21 مليون جريح و7 ملايين بين أسير ومفقود، إضافة إلى الدمار الشامل لمدن وحضارات وتراث إنساني وتخريب للبيئة. في هذه الفترة كان الملك عبدالعزيز -رحمه الله- قد سيطر على وسط الجزيرة العربية، ونجح في إخراج العثمانيين من منطقتي الأحساء والقطيف (سنة 1913م - 1331هـ)، فعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، كان الملك عبدالعزيز ثاقب النظر ذا حاسة سياسية عالية، استشعر المخاطر المحدقة بالوطن العربي والجزيرة العربية بشكل خاص، فقام بأمرين: أولهما: بعث -كما يقول فاسيلييف في كتابه تاريخ العربية السعودية- برسائل إلى الشريف حسين، وسعود بن صالح في حائل، والشيخ مبارك الصباح في الكويت لعقد لقاء للحكام العرب للحيلولة دون جر العرب إلى العمليات الحربية، وتوقيع معاهدة مع الدول الكبرى لضمان تقرير مصير الدول العربية، ولكن المصالح السياسية بين الحكام كانت متباينة ومختلفة ولم ينجح هذا المسعى. ثانيهما: اتخذ الملك عبدالعزيز موقف الحياد بين بريطانيا والدولة العثمانية، وذلك لأسباب عديدة يلخصها الدكتور عبدالله العثيمين: (يعود ذلك إلى انشغاله بأموره الداخلية وعدم رغبته في الإقدام على أمر لا يرى فائدة واضحة له). حاول العثمانيون استمالته إلى جانبهم ومقاتلة البريطانيين، بل إنهم وقعوا معه اتفاقية تم بموجبها تعيينه حاكماً لنجد (1914م - 1332هـ).. مما وعى الحكومة البريطانية إلى المسارعة إلى إقامة علاقات سياسية معه. فبعثت الحكومة البريطانية الكابتن شكسبير الذي اكتشف أن الملك عبدالعزيز مصر على موقفه الحيادي بين بريطانيا والدولة العثمانية، مما دعا الحكومة البريطانية إلى عقد اتفاق دارين أو القطيف (عام 1915م - 1334هـ) والذي ينص على اعتراف بريطانيا به حاكماً مستقلاً لنجد، والأحساء والقطيف والجبيل وملحقاتها. كان هذا الموقف الحيادي هو ما جنب الجزيرة العربية ويلات التقسيم والاحتلال الذي مني به الوطن العربي بموجب معاهدة سايكس بيكو. إذا كان التاريخ -كما يقال- يصنعه العظماء، أقول بأن التأريخ والجغرافيا يصنعهما العظماء أيضاً.