ربما تنبه الكبار في رمضان إلى حاجة صغارهم لكثير مما ينقصهم من الثقافة في سلوك التعامل مع الصوم..، وبأن دلالاته العديدة ليست في قاموس وعيهم، ولا منازل إدراكهم، فهم يجوِّعون بطونهم فقط ليمضوا النهار نائمين، وبعضهم لا يستيقظ إلا متى اجتمع الكبار على سفرة الفطور..، وكثير من الأمهات يشفقن على صغارهن من الصوم في القيظ، فيمددنهم بأعذار واهية تمادي في غفلتهم، وجهلهم..، وهن بهذا لا يدركن أنهن لن يستطعن بعد الإشفاق عليهم، وانتشالهم من مغبات التفريط عندما يكبرون على هذا السلوك..، والله تعالى في محكم كتابه قد قال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (132) سورة طـه، ولم يقل و»اصبر» لأن الاصطبار منتهى البذل في سبيل بلوغ منازل الاستسلام للطاعة في العبادات وأمها الصلاة، وهي تحتاج إلى دُربة، وتصبر لأنها «كبيرة إلا على المتقين». لذا من تمكنت له الطواعية في الإقبال على الصلاة في أوقاتها وبكامل الإحساس فيها، لا محالة ستُيسر له بقية العبادات، وفيها الصوم الذي يسمو بالارتباط بخصوصيته لله تعالى. ويلحق به تلاوة القرآن، والذكر، والتغافل عن الشهوات، وإغواء الملذات. إن كل عبادة ليتمكن من أدائها المرء في صغره، ومن ثم تلتحم بسلوكه في كبره لا يكبر شأنها في نفسه إلا حين يستوعب بوعي، وإدراك مفهوم «الإحسان»، فتتشرّب جوانحه، ومداركه اليقين بعين الله التي تراه إن لم يكن هو يرى ربه..، فهو إن أيقن بذلك، وتمكن هذا اليقين منه عرف ربَّه حق المعرفة، وخشيه حق الخشية، وتبصّر في آياته، ومنها نفسه التي هي هو فيهمن عليها، لتنقاد له طواعية في عباداته، ومسالكه كلها ليصبح أمره كله إلى خير، متقياً ربه، مقبلاً عليه برغبة، وود الصالحين. إن صلاح الحياة من صلاح العبادات..، وإن وعد الله تعالى بصلاح الآخرة إنما هو مرهون بالطاعات. ولا أحسب أن أماً، أو أباً لا يتمنيان بلوغ أبنائهم درجة «التقوى»، ومن ثم دخولهم في «المتقين» أولئك الذين جاء وصفهم في القرآن الكريم في كل موقع آية عنهم يؤكد بأنهم أولئك المتبعون في عباداتهم، وأداء واجباتهم، وفي جملة سلوكهم ما جاء في شريعة السماء، فعلمَّ به المسلمين النبيُّ الرسولُ الأمينُ بعد أن تمثله ليكون قدوة للاتباع، وملاذاً للحجة، ومثلاً في الأخلاق، والتأدب في الطاعات.. والتصبر عليها فلم يكن إلا عبداً شكوراً.. ورسولاً صادقاً أميناً صلى الله عليه، وسلم، وبارك كثيراً. أحسب أن دروس رمضان قد عبأت صحائف وصحائف..، مما على الوالدين أن يعيدا قراءتها في منهج تنشئتهم لأبنائهم، ومسلك تربيتهم على الطاعات، وحسن التعامل مع الأركان، والواجبات. إنها المسؤولية التي لا مناص من الحساب عليها بدءاً من النفس حين تستيقظ على تفريط، ثم من المجتمع، ومن ثم بين يدي الخالق العظيم الرحيم. ولعل ثقافة العبادة، ومواكبة الدربة عليها من أول ما علينا تداركه، والإقبال عليه بخشية، ومحبة، ومعرفة، بل بطاعة، وعزم. فهو ذا الدور الأول، والمسؤولية المتوخى أن تُؤدى كي لا تفرط الأجيال القادمة فيما هو عصب الحياة الدنيا، ومعقد الأخيرة.