رأى الأحناف والمالكية أنه لا يُحكَم بكفر من قيل فيه 99 قولاً بالكفر وقول واحد بالإسلام. تورع كبار العلماء والأئمة عن إطلاق التكفير على علاته، وقال الإمام الغزالي "إن أدى قتل ألف كافر إلى قدر محجمة من دم مسلم واحد فالأولى تركهم". أدرك من سبق من علماء الأمة أن خطر الحكم بالكفر من أكبر المفاسد التي تضر الدين نفسه، وتولد الشحناء بين أبنائه، وتسيء إليه عند مخالفيه، وتنفر أقواما ممن أرادوا أن يعتنقوه، لما رأوا من سماحته. عندما ظهرت الاختلافات بين المذاهب والطوائف، اندفع أقوام نحو تكفير مخالفيهم. لم يكن أولئك القوم يعلمون أن خطر التكفير وما يؤدي إليه من القتل وسفك دماء الناس، سيشل الأمة. على أنهم يعلمون أن مخالفيهم لم يكونوا ليفعلوا ما فعلوا إلا لظنهم أنهم على الطريقة الصحيحة. لعل ما نراه اليوم من القتل والتدمير والتفجير بين "المسلمين" بمختلف انتماءاتهم، يدل بوضوح على أن تكفير الآخر لمجرد رأي أو فتوى هو جريمة شنعاء، ووصفة لتدمير الأمة والقضاء على خيراتها وسؤددها، الذي نالته عندما كانت أمة واحدة بمعتقد ومنهج نبوي موحد. بدأت الأزمة عندما أدى اختلاف فريقين من المسلمين في الرأي إلى الحرب، رغم قناعة كل منهما بإيمان طرف النزاع الآخر وعدم شكهم في ذلك. كان لا بد أن يفضي النزاع إلى ظهور أقوام يتحججون بكفر مخالفيهم ليقتلوهم، فوجدوا من يفتي لهم بذاك ففعلوا. إن استباحة دماء المسلمين عندما بدأت، لم تكن لتتوقف، وها هي اليوم تعيث في أرض المسلمين فساداً، ليقتل مسلم أخاه بمباركة رجل يدعي انتسابه للدين، بل إن ما نشاهده اليوم يذكرنا بحكمة وعقلانية ورجاحة عقول الأوائل من علماء الأمة، ويزيدنا نفورا من مكفِّري اليوم الذين اتخذوا الدين مطية لتحقيق مآرب شخصية، ناسين أنهم واقفون أمام رب قدير، في يوم حساب عسير. بعد هذا يأتي أقوام ليشهدوا بكفر دولة، تنشر الإسلام في كل مكان، وتتوقف حركتها عندما يصدح الأذان، والحرمان الشريفان هما أهم اهتمامات قيادتها، وتقضي محاكمها بهدي القرآن، بحجج شاذة، لا اعتبار لها، فبؤساً لجهلة هذا الزمان.