×
محافظة المنطقة الشرقية

“أنونيموس” يغلقون مواقع اسرائيلية تحت عنوان “اسرائيل .. أنت ضعيفة”

صورة الخبر

ماذا يعني استمرار خطاب لوم الفلسطينيين ولوم حركات المقاومة بالتسبب في اندلاع الحرب الإبادية التي يشنها الجيش الإسرائيلي المتوحش والذي صار مختصاً في قتل الأطفال وتدمير المدارس واستئصال عائلات كاملة برمتها؟ خطاب اللوم وتحميل المسؤولية لا أساس له من ناحية سياسية ومبدئية ولا هدف له سوى إظهار التباكي وستر عورات العجز والصمت العربي الرهيب على مجزرة غزة، حتى لا نقول التواطؤ. في تتبع الأحداث الأولى لهذه الحرب وشراراتها هناك إجماع على أن إسرائيل وليست «حماس» هي التي أرادتها، وهي التي افتعلتها عقب حادثة خطف المستوطنين الثلاثة وقتلهم في الضفة الغربية، وهي الحادثة التي لم تعلن «حماس» ولا أي من حركات المقاومة المسؤولية عنها. جاءت تلك الحادثة بعد الاتفاق الفلسطيني على حكومة وحدة وطنية استثارت غضب نتانياهو، واستفزت كل تهديداته للسلطة الفلسطينية وللرئيس محمود عباس كي يتخلى عنها، ولا يتفق مع «حماس» على أي شكل من أشكال التوافق. لم يبذل نتانياهو أي جهد كي يخفي سبب غضبه الحقيقي، والذي لم يكن مقتل المستوطنين بمقدار ما كان بداية الوحدة الفلسطينية، على هشاشتها. لذلك، لم يقبل نتانياهو من الرئيس عباس الإدانات القوية التي أصدرها تجاه حادثة الاختطاف، بل طلب منه علانية وفي الإعلام مباشرة أن يتخلى عن حكومة الوحدة الوطنية كي يظهر «حسن نواياه». وعندما لم تفلح جهود نتانياهو السياسية وضغوطاته وتهديداته المالية للسلطة ولرئيسها، قر قراره على الحرب وقلب الطاولة في وجه السلطة و «حماس» معاً عبر ضربة جديدة لقطاع غزة تحقق أهدافاً عدة في الوقت ذاته: إنهاء حكومة التوافق الوطني، استعادة الانقسام الفلسطيني، وتنفيذ عملية جديدة من عمليات «قص العشب» الدورية (أو mowing the loan) وفق التعبير الإسرائيلي المتغطرس والعنجهي. «قص العشب» يعني أنه لا بد من ضربة دورية لقطاع غزة وقوى المقاومة فيها كل سنتين أو ثلاث بهدف تقليص قدراتها العسكرية، ويجب ألّا تترك لتنمو من دون قص. المفارقة الكبيرة هنا هي أنه بعد كل عملية «قص للعشب» ومنذ أواخر سنة 2008 ثبت أن قدرات المقاومة تتضاعف ولا تتقلص، وأن عملية «القص» كانت تؤدي إلى عكس هدفها. هذا هو المنظور العام للحرب القائمة حالياً، وبقية القضايا تفاصيل هنا وهناك. ومن التفاصيل التي تبرع فيها إسرائيل قصة من أطلق هذا الصاروخ، ومن أين جاءت الطلقة الأولى وسوى ذلك، حتى تقول إن «حماس» أو فصائل المقاومة هي التي «استفزت» إسرائيل، وبالتالي تتحمل مسؤولية اندلاع الحرب. وهنا نرى السيناريو الممل نفسه: تقوم إسرائيل بضربات جوية بهدف «القضاء على هدف إرهابي مؤكد» حتى تقوم فصائل المقاومة بالرد، وبعد الرد تثور ثائرة إسرائيل ضد الهجوم الصاروخي على مدنها ومدنييها، ثم تنطلق الحرب والاجتياح. لم تعد فصائل المقاومة تتسرع بالرد والاستجابة للاستفزاز، وكلما ضبطت نفسها زادات الإهانات والضربات، ولو لم تطلق رصاصة واحدة من قطاع غزة، ولو لم يُطلق أي صاروخ لنفذ نتانياهو حربه وضربته لأن «بنك الأهداف» يُملي عليه ذلك. مع الأسف الشديد تغيب هذه الصورة وتفاصيلها عن خطابات عربية مأزومة ومهجوسة بقصر نظر سياسي واستراتيجي مذهل. لا ترى في كل ما يحدث في فلسطين وقطاع غزة واستراتيجيات إسرائيل للسيطرة على الفلسطينيين والجوار العربي، سوى «حماس» وعلاقتها مع «الإخوان المسلمين». الخطاب العربي المهجوس بحربه ضد الإسلام السياسي يريد أن يقحم إيران وتركيا في غزة رغم أنف الغزيين ليقول للجميع إن الحرب كانت قراراً إيرانياً - تركياً، وكأن وضع «حماس» قبل الحرب في ظل الحصار وفي ظل تردي وضعها السياسي واختناقها الحكومي يتيح لها ترف خوض مغامرة من هذا النوع. كيف تخطط «حماس» لحرب من هذا النوع وتدفع باتجاهها، وكانت قد قبلت بحكومة توافق وطني مع الرئيس عباس وفق شروط هذا الأخير؟ الخطابات العربية التي تهرب من عجز حكوماتها وتخليها عن الحدود الدنيا لمسؤولياتها تريد أن تخلط الحابل بالنابل وتريد أن تستر عورات التهاون العربي والصمت المخجل الذي أثار استهزاء العالم بنا. بدل أن تقف هذه الخطابات في وجه إسرائيل ولو بالإدانة اللفظية فإنها توجه كل لومها وشتائمها لـ «حماس» والمقاومة، وهي لا تدري أن تحميل «حماس» مسؤولية الحرب من العرب معناه إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لمواصلة حربها الإبادية ضد الفلسطينيين وإراقة دمهم على مرأى من العالم بأسره. وكيف لهذا العالم أن يتحرك والعرب أنفسهم يقولون إن الفلسطينيين هم سبب الحرب. إن دم الأطفال الفلسطينيين الذي يراق يومياً في غزة هو في رقبة إخوتهم العرب الصامتين والعاجزين والمتواطئين مثل ما هو في رقبة أعدائهم ومناصري أعدائهم. وللغرق في المزيد من التهرب ومحاولة ستر العورات تنخرط خطابات لوم الفلسطينيين في مسألة الدور التركي والدور القطري لإحراج مصر وتقليص دورها الإقليمي. ماذا تفعل تركيا أو قطر أو أي دولة تريد أن تتحرك لمناصرة فلسطين وقطاع غزة إذا تخلت مصر طواعية عن دورها الإقليمي وبدل أن تقف في صف الفلسطينيين صارت حائرة بين الحياد السلبي وتقديم مبادرات ترضي إسرائيل ولا تحقق للفلسطينيين أدنى الحقوق؟ كيف يمكن أن تحافظ مصر على دورها الإقليمي عبر مبادرة يصر نتانياهو على التمسك بها وحدها ويرفض كل المبادرات الأميركية المقترحة للوصول إلى هدنة؟ بمعنى آخر، المبادرة المصرية التي تريد أن تعيد الأمور إلى ما كانت عليه، أي حصار مطبق على قطاع غزة من الجو والبر والبحر، وسيطرة تامة لإسرائيل مقابل وقف المقاومة، لبت مطالب إسرائيل أولاً وآخراً. الدور الإقليمي لمصر كان مرتكزه الأساسي الوقوف مع فلسطين قولاً وفعلاً ومبادرة، وهذا ما استمر ولو في حدوده الدنيا أيام الرئيس السابق حسني مبارك، الذي لم يكن لديه أدنى تعاطف مع «حماس». لكنه في الوقت ذاته كان يدرك أن دور مصر الإقليمي يقوم على أن تكون حامية ومدافعة عن حقوق الفلسطينيين في وجه إسرائيل، وليس العكس. كيف يمكن خطاب الملامة العربية تبرير إبقاء معبر رفح مغلقاً في وجه ألوف الجرحى المدنيين في قطاع غزة، وفي وجه المساعدات الطبية والوفود التي تريد أن تصل إلى هناك لتقديم ما تستطيع تقديمه؟ على الخطاب المهجوس بلوم الفلسطينيين أن يقدم لهم البديل الذي يمكن أن يلجأوا إليه بدل المقاومة التي تُشتم وتُتهم بأنها أدت إلى «استفزاز» إسرائيل التي يجب ألّا تُستفز. لقد انخرط الفلسطينيون في كل وسيلة من الوسائل الأخرى، وقدموا ما لم يحلم أكثر معتدليهم بتقديمه من تنازلات ومع هذا رفضت إسرائيل كل ذلك. بل ورفضت أيضاً المبادرة العربية التي قال عنها باراك أوباما قبل أن يصبح رئيساً إنها فرصة ذهبية لإسرائيل وإن عدم قبولها يمثل منتهى الغباء السياسي. بعد أكثر من عشرين سنة مفاوضات، تعاقبت عليها حكومات إسرائيلية عدة، وإدارات أميركية متلاحقة، أدرك الفلسطينيون أن المفاوضات في شكلها الحالي، ومن دون أي دعم عربي حقيقي، هي انتحار سياسي ووطني للفلسطينيين وتذرية لما تبقى من حقوقهم الوطنية. خلال عقدين من المفاوضات فرضت إسرائيل منطقها التفاوضي وهو التفاوض بعيداً من الشرعية الدولية وقراراتها، وعدم قبول أي طرف ثالث نزيه أو شبه نزيه يشارك فيها. الموقف الأميركي، والعربي من ورائه مع الأسف، يقوم على مقولة: نقبل ما يتوصل إليه الطرفان، وكأن الطرفين متكافئان في القوة والندية. ليقدم لنا سدنة خطاب الملامة الحل المناسب حتى نتبعه! في مواجهة انسداد الأفق أمام كل الحلول الأخرى يقدم الصمود الكبير للمقاومة في قطاع غزة فرصة غالية لتوحيد الموقف الفلسطيني على قاعدة جديدة وعملية وهي مقاومت الاحتلال ورفضه بعد أن فشلت المفاوضات معه، وليس على قاعدة فرض المفاوضات واشتراطاتها الإسرائيلية على كل الاطراف الفلسطينية. عناد الإرادة الفلسطينية وأداء المقاومة في قطاع غزة والمفاجآت التي صدمت إسرائيل وجيشها دفعت بكل الفلسطينيين في الداخل والخارج إلى الالتفاف حولها، على رغم التضحيات والثمن الباهظ الذي دفعه الفلسطينيون. وكل ذلك دفع بالرئيس الفلسطيني ومنظمة التحرير والشرائح الأعرض في القيادات الفلسطينية إلى أن تتبنى مطالبات المقاومة بكونها حقوقاً للفلسطينيين في قطاع غزة، وعلى رأسها فك الحصار. الالتفاف التضامني والسياسي حول تلك المطالب يعني أنه في مقدور القيادة الفلسطينية في هذه اللحظة أن تفرض مساراً جديداً، وأن تتحدث لغة جديدة، وأن تعيد «فلسطنة» الأجندة وعدم تركها للتنافسات الإقليمية، بل إعادة توجيهها بالاتجاه الصحيح والوطني. وهذا كله يجب أن يستحق التقدير عوضاً عن اللوم وتحميل المسؤولية... أو على الأقل الصمت والانخراط في النقاش الذي يشغل جزءاً من الإعلام العربي ورجال الدين هذه الأيام حول عذاب القبر!