×
محافظة المنطقة الشرقية

الاتفاق يخسر من هجر برباعية في آخر تجاربه

صورة الخبر

اللواء الركن بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود قطعاً، لا أحد يتحدث عن الأمن في هذا البلد الطيب المبارك، دون أن يستحضر قول الله تعالى في سورتي الفيل وقريش، وكلنا يعرف أن القرآن الكريم نزل متواتراً، ومن جلال حكمة الله تعالى أن السورة الثانية جاءت في ترتيبها في المصحف بعد السورة الأولى مباشرة. وقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (إن الأمن في الأوطان، إحدى نعمتين، ثانيتهما الصحة في الأبدان). وعندما جاء الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه، وأسس هذه الدولة الفتية المباركة، كان أكثرنا استحضاراً لهذه المعاني السامية، وأعمقنا فهماً لمعنى الأمن وأهميته في حياة الأمم والشعوب واستقرار الدول. فاعتمد سياستين أساسيتين مهمتين، حققتا هذا التحول الجذري الذي طرأ على حالة الأمن في البادية والحاضرة على السواء، وذاع صيته حتى أصبح بصمة سعودية بامتياز، وعلامة فارقة لا مثيل لها في دول العالم قاطبة، لاسيما ما يعرف بـ(العالم الأول) الذي زلزلت الجريمة أركان اقتصاده. السياسة الأولى: اعتماد الشريعة الإسلامية والسنة النبوية دستوراً للبلاد، وتطبيق الشريعة بحذافيرها في سائر ربوع الوطن، فتشربت روح الناس بها وأصبحوا يقيسون كل أمر بمقياسها، ويدركون جيداً المصير الذي ينتظر كل مخالف من حدود وعقوبات. السياسة الثانية: التزام منهج العدل بشكل صارم لا التواء فيه ولا محاباة، فاحترم الجميع عبدالعزيز ووثق فيه وهابه، لأنه أكد للجميع أن تطبيق الشريعة الإسلامية يطال الكل بلا استثناء. والحقيقة حكايات عبدالعزيز مع العدل أكثر من أن تحصى، وكلنا يعرف شيئاً منها، حتى مع أبنائه، إذ لا يفرق بينهم وبين أبناء المواطنين فالكل عنده سواء، والكل أبناؤه، غير أنني أردت اليوم أن أشارك القراء الأعزاء في حكاية واحدة من حكايات عدل عبدالعزيز الذي سارت به الركبان، تبدو للوهلة الأولى كالأسطورة، لكنها حقيقة ماثلة للعيان، أوردها (A.H.Armstrong ) في كتابه (Lord of Arabia) إذ يقول: (كان ابن سعود يتعامل مع كل قضية بنفسه وجهاً لوجه مع المشتكي والمشتكى عليه، ولم يكن هناك محامون لتعقيد الأمور أو إثبات الأسود أبيض، بل كان يستمع إلى الدليل بسرعة ويعطي حكمه الذي لا يقبل الاستئناف. وبينما هو جالس للنظر في شؤون الناس ذات يوم، جاءته امرأة تصرخ، تقول إن بقرة جيرانها دخلت بستانها فأكلت جميع البرسيم. فأنكر جارها التهمة بالقسم، فطلب ابن سعود من القصاب ذبح البقرة وشق بطنها، فوجدت مليئة بالبرسيم. فبقيت الذبيحة مع مالكها وأجبر على دفع تعويض على البرسيم، إضافة إلى غرامة مالية كبيرة عن اليمين الكاذبة. فأي عدل هذا الذي أعجز كل من كتب عن عبدالعزيز، أن يجد لعدله مثيلاً غير عدل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ويلخص سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، ولي العهد الأمين، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، استحضار عبدالعزيز لهذا المفهوم في كلمات معدودات شاملات، ولا عجب، فسلمان هو (Google) تاريخنا وأعرفنا بعبدالعزيز، إذ يقول: (هنالك ثلاثة أمور أساسية، كان الملك عبدالعزيز لا يقبل فيها جدالاً إطلاقاً، ولا يقبل فيها أي خلل، أولها العقيدة ودفاعه عنها وتمسكه بها وعدم المساس بها. والثاني الأمن، أمن الدولة، ولا يمكن بحال من الأحوال تطبيق الشريعة ما لم يكن هناك أمن في الدولة، والثالث الحفاظ على حقوق الناس ودمائهم وأعراضهم). وقطعاً، لا أحد يتحدث عن الأمن في البلد الحرام، دون أن يذكر رجل الأمن الأول، ويستحضر إنجازاته التي تفوق الخيال، سيدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراه، ولي عهدنا السابق وزير داخليتنا الأسبق، الذي اضطلع بمهمة أم الوزارات في بلادنا لأربعة عقود، منافحاً عن أمننا، وسلامة بلادنا، وحماية مقدساتنا، وعاملاً بكل همة ونشاط، واصلاً الليل بالنهار لننام نحن ملء جفوفنا، حتى غدا الأمن في العالم كله بصمة سعودية راسخة، وعلامة فارقة متميزة. وأورد هنا واحدة من حكايات نايف مع العدل الذي هو عماد الأمن، وردت تقريباً في كل صحفنا المحلية التي تسابقت لذكر محاسن فقيد الوطن والأمة الكبير، إثر رحيله مفادها، بأنه أمر، رحمه الله، بعد تحقيق لثلاثة أشهر، أجرته لجان رسمية، أكدت ظلماً اقترفه محافظ إحدى المحافظات (جنوب مكة المكرمة) ومدير شرطتها بحق مواطن بريء، أمر نايف بنقل الأول إلى محافظة أبعد من المحافظة التي كان يرأسها، وجرد الثاني من منصبه وسجنه ثلاثة أيام ونقله إلى أبعد مركز عن مركزه، مؤكداً للجميع أن عبدالعزيز مازال، وسوف يظل إلى الأبد إن شاء الله، يعيش بيننا. تلك هي سيرة نايف فينا، على درب المؤسس، حاملاً الرسالة ذاتها التي تهدف إلى إعمار الأرض وتحقيق الخير للجميع. ولهذا عندما كشَّرت آلة الإرهاب القبيحة عن أنياب الشر والعدوان والخراب والدمار، وإزهاق الأرواح البريئة، وتعطيل عجلة التنمية، لغرس الفتنة والفوضى، انبرى لها نايف مع أول هجمة جبانة في 20 /6 /1416، يوم أعلنت وزارة الداخلية عن حدوث تفجير في شارع الثلاثين بحي العليا بالعاصمة الرياض، استهدف مكتب تطوير الحرس الوطني السعودي، فأودى بحياة ستة ضحايا، خمسة أمريكيين وفلبيني واحد، هم مستأمنون لدينا، لا يجوز قتلهم أو الاعتداء عليهم حسب حكم الشرع، إضافة إلى ستين جريحاً، وأضراراً مادية قدرت بخمسة وعشرين مليون ريال. ولم تمض خمسة أيام فقط حتى تم القبض على جميع المتورطين في 25 /12 /1416، وللأسف الشديد، كانوا ثلاثة من أبنائنا الذين غرر بهم دعاة الفتنة، وزجوا بهم في معركة خاسرة لا محالة، وورطوهم بقتل الأبرياء. لكن فاتهم أنهم ينازلون أسوداً لا قبل لهم بهم، فأدرك نايف من فوره، بحسه الأمني الفريد، وعبقريته القيادية الفذة، وشجاعته النادرة، ونيته الصادقة للدفاع عن المقدسات والبلاد وأهلها والمقيمين عليها مهما كان الثمن، أننا أمام جريمة وافدة جديدة ومنظمة، تدعمها خلايا عديدة من أصحاب الفكر الضال، الذين اجتهدوا كثيراً في إفساد الشباب والضحك على عقولهم والزج بهم في مستنقع خطر، يدمر حياتهم، ويقلق أسرهم ويقضي على أي دور إيجابي لهم في الحياة، ويضع نهاية مأساوية لرسالتهم في إعمار الأرض ونفع الناس. وصحيح.. نجح هؤلاء الخوارج المارقون عن ملة العقيدة، في اعتماد وسائل تضليل عديدة، وتقنية إعلامية حديثة، وتهريب كميات كبيرة من مختلف أنواع آلات الدمار والخراب وإزهاق أرواح الأبرياء، غير أنه فاتهم أنهم ينازلون أسداً هصوراً، وعبقرية أمنية أسطورية، ومدرسة شاملة في حفظ الأمن وأرواح الناس وأعراضهم وممتلكاتهم، خريج مدرسة المؤسس عبدالعزيز آل سعود، الذي صاغ مبدأً راسخاً مع بزوغ فجر دولته العتيدة: "معتقد المسلمين واحد حضري وبدوي، وأصله كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم السلف الصالح من بعدهم". وصحيح أيضاً أن اجتثاث شأفة الإرهاب استنفد كثيراً من جهد نايف وتفكيره ووقته ورجاله الأشاوس في وزارة الداخلية من كل التشكيلات والرتب والفئات، وأموالاً طائلة من الدولة، كما قدر الخبراء أن التفجيرات الإرهابية قد كبدت اقتصادنا ثلاثين مليار ريال خلال ست سنوات، إضافةً إلى ما أحدثته من أثر حتى على حركة الناس، لاسيما في بداية اندلاع آلة الإرهاب الصماء؛ لكن لم يكن لرجل مثل نايف، صمام أمان الأمن العربي كله، أن يستسلم لشرذمة مدفوعة بأجندة سياسية ونوايا سيئة، أن تعبث بأمننا وتقلق راحتنا أو تعطل مسيرتنا القاصدة، فتعيقنا عن تحمل رسالتنا في الحياة. فاعتمدت بلادنا في اجتثاث جذور الإرهاب وتجفيف منابعه بقيادة رجل الأمن الأول، نايف بن عبدالعزيز آل سعود، "صقار" أمن الوطن، استراتيجية شاملة، تضمنت إجراءات تشريعية قضائية كإنشاء المحكمة الجزائية المتخصصة، واستحداث دائرة قضايا أمن الدولة، وإعادة تنظيم جمع التبرعات للأعمال الخيرية، التي ربما استغلت لغير ما جمعت له، كما عززت الأمن الفكري، معتمدة أسلوب الحوار والإقناع من خلال مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، وأنشأت كراسي علمية تعنى بالأبحاث المتعلقة بالإرهاب وسبل مكافحته، أبرزها كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز لدراسات الأمن الفكري، وقبل هذا وذاك، عزَّزت وزارة الداخلية جهودها لتأهيل كوادرها وتدريبها، واعتمدت العمليات الاستباقية، فتهاوت بيوت العنكبوت الإرهابية أمام عزيمة نايف ورجاله، واحداً تلو الآخر، وأجهضت 95% من مخططات الفكر الضال التي حيكت بليل لزعزعة أمن البلاد وسلامة أهلها والمقيمين على أرضها في مهدها. وفغر الإرهابيون فاهاً، وضاقت عليهم البلاد بما رحبت، فتأبطوا شرهم وغادروا البلاد إلى غير رجعة، حيث طالتهم يد نايف الطولى بإذن ربها. ومن جانب آخر، كرّم نايف الشهداء من رجاله البواسل، وتكفل بعائلاتهم ومنحهم أعلى أوسمة الشرف وأنواط التكريم، كان نايف يواسي أسر الشهداء بكل ما أفاض الله عليه من عطف وشفقة وقلب رحيم، غير أنه كان يتألم في داخله لخسارة الوطن أرواحاً زكية وسواعد فتية، أعدها نايف للبناء والتطوير، لكنه في النهاية، كان يعود فيعزي نفسه لأنهم لقوا ربهم في أشرف ساحة.. واليوم، بعد أن ترجل الفارس نايف عن صهوة جواد الأمن، انبرى للراية نجله الفارس الهمام، الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية، معاهداً الله ثم القيادة والمواطنين الكرام أنه لن يفرط في حمل الأمانة حتى يسقط دونها، فقاد موكب رجال نايف بالهمة نفسها والشجاعة ذاتها، وسار على درب والده البطل، لاسيما أن له سجلاً حافلاً في العمل في هذا المجال عندما كان مساعداً له في تسيير أمور أم الوزارات وحفظ أمن البلاد سنين طويلة، فجاء جاهزاً ومهيأً تماماً، يعرف ما يريد ويدرك كيف يحققه. فحث السير على خطى نايف، وانتشر رجاله البواسل في كل الميادين، الأمن العام بكافة تشكيلاته، الشرطة، حرس الحدود والدفاع المدني وحتى المرور، فالكل يؤكد لنا في كل يوم أن نايف مازال بيننا، بل سيبقى إلى الأبد إن شاء الله، في هذه السواعد الفتية التي عاهدت الله على الذود عن حياض الوطن مهما كان الثمن.