أغلقت ينابيع الفرح شبابيكها في وجه كبير القرية أحمد بن عبدالرحمن، وفتح الهم خزائنه بين يديه، اقترب عيد الفطر والبيت خاو سوى من صفير الرياح، صعد بعد العصر إلى سطوح العالية وجال ببصره يمنة ويسرة وكفه تساقط حبات المسبحة وإذا به يلمح بدويا قادما من الشرق يقود بقرة، سأل الله ألا يطرق البدوي بابه فالحال تشكى على عالم الأحوال، لمحه البدوي فأرسل سلامه وتحياته فالتفت غيوم الحيرة والخجل حول عيني أبي عبدالرحمن وفقدت السماء طبيعة ألوانها، ترجل عن ركنه ورحب وسهل بالطارش وربط بقرته في السافلة وتناول متاعه من يده والمغرب يوشك أن يؤذن بإفطار الصائمين، فتح الخيش فوجد به عكة سمن وشيئا من إقط عامي، فأشعل عود قرض ولجأ إلى الجيران فجمع شيئا من حنطة وبن وتمر وأعطى سيدة المنزل الحب لتطحنه وتجهز عصيدة بينما تولى هو أمر إعداد دلة القهوة، وخلال ساعة كانت العصيدة تستدير في صحفة خشبية ففجاها بيده وفك وكاء العكة وصب من سمن البدوي ما يدسم شوارب جماعة، أكل البدوي وحمدالله وشكر أبا عبدالرحمن وأعطاه علمه منذ غادر أهله وأن مقصده سوق الخميس غدا لبيع البقرة وشراء حاجيات للعيد، ناما وفي الصباح اصطحب ضيفه والبقرة للسوق وبيعت بستين ريالا عربيا ونال أبو عبدالرحمن عشرة ريالات دلالة من البائع والمشتري يوم كان للريال لحية وشارب، انصرف البدوي شاكرا ليتفرغ العريفة لشراء اللحم والحب والقهوة والحوائج والكادي والريحان وفي طريق عودته مر بيت أرملة لها خمسة صغار فقسم لها مما قسم الله ودعاها لتمضية العيد غدا في بيته ومع أهله، وبعد أن فرغ الإمام من خطبته قام مهنئا كعادته «الله يعيدنا رضاه ورحمة سماه مؤكدا أن الجمايل من أفواه الرجال وليست بأحمال الجمال» ودعا الجميع لتناول الفطور في منزله وعايده المقتدرون وأكلوا من الخبز والمعرق وتخفسوا في السمن ومسحوا في اللحى البيضاء ما علق بأناملهم من ندى وغادروا مرددين (عيدكم يعود).