هي امرأة من شتاء استطاعت خلال مسيرتها الفنية أن تنسج لمستمعيها عالما أكثر جمالا وأناقة شابه الشتاء في صدقه وفي نشوة ارتجافاته. ومثّلت أغانيها انسكابا ناعما من الأحلام الشتائية ولكأن شدوها رذاذاتُ مطرٍ تهطل بكسل على صباحات بيروت الندية وهي التي تمنّت في أحد لقاءاتها الحوارية أن تتحول إلى آلة المندولينMANDOLIN إحدى الآلات الوترية المستخدمة في القرن الثامن عشر الميلادي. إنها السيدة ماجدة الرومي التي تفيض قسماتها بسماحة الأمومة الممزوجة بمسحة حزن لذيذ. مكّنتها انتقاءاتها الموسيقية الأنيقة من أن تطل على حالة روحية عالية تشع إشراقا ونورانية وأن تأخذ بمستمعيها إلى جزر سحرية وإلى مدنٍ من الفجر. هذه النافذة ليست إلا نزهة هادئة حول مسيرتها الفنية بمناسبة مرور مايقارب 40 سنة على دخولها المجال الفني وعرض بداياتها وإسهاماتها في النهوض بالحركة الموسيقية في العالم العربي. تنتمي الرومي إلى عائلة فنية فهي ابنة الموسيقار الفلسطيني حليم الرومي ولدت في كفرشيما وتأثرت برموز الموسيقى العربية كمحمد عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفيروز. وأغنيتها (عم بحلمك يالبنان) تعد انطلاقتها الأولى في المجال الفني وقدمت بعد ذلك سلسة من الألبومات منها: - خدني حبيبي1977 - من زمان 1982 - العصفورة 1983 - ياساكن أفكاري 1986 - ضوي يا قمر 1988 - كلمات 1991 - أبحث عني 1994 - رسائل 1996 - قيثارة السماء 2003 - اعتزلت الغرام 2006 - غزل 2012 أما على المستوى الإنساني فقد صرحت الرومي بقولها: " إنسانيتي أهم من صوتي، ولو خُيِّرت بين أن أفقد صوتي أو إنسانيتي لاخترت صوتي". واستجابة لما يفرضه الفن على ممتهنيه من إنسانية إذ يعد الفنّ وثبةً خلاّقة تجاه رهافة الحس وتطلعًا لما وراء المادة والذي يمثل في الآن نفسه حالة عناد مع الواقع وما يحويه من اهتراءات اجتماعية وسياسية، فقد دعت الفنانين إلى العزوف عن السياسة ومماحكاتها وعدم الإفصاح عن المواقف المتحيزة حتى لو كانوا على قناعة بها للحفاظ على ما تبقى من اللحمة الوطنية والقومية وعدم تعميق الصراعات فالفن كما تراه " أرقى من السياسة". وانطلاقا من مقولة روبرت شومان: " إذا أردت أن تتعرف على أخلاق الشعوب فاستمع إلى موسيقاها" فإنّ الرومي استطاعت أن تقدّم فنا ملتزما على المستوى الذوقي واللغوي حيث تعكس انتقاءاتها للنصوص عنايتها بتنمية الحس الوجداني لمستمعيها وحرصها على إعادة الاعتبار للفصحى في ظل ما وصل إليه المجال الفني من تلوث لغوي وفني. وتوازيا مع الانحدار الذوقي الذي وصل إليه المجال الفني فإن الحاجة تزداد إلى إلقاء الضوء على مسيرة ما تبقى من رموز الفن الملتزم وفاءً وامتنانا لدورهم في النهوض بالحركة الفنية. تقضي الآن الرومي حياة هادئة في (جونية لبنان) التي اختارتها مسكنا لها وتتسم هذه المنطقة بطبيعتها الخلابة المتوشحة بأشجار الصنوبر واللوز المتحالفة مع النسيم الآتي من خليج جونية وكأن اختيار الرومي لهذه المنطقة وما تحويه من مناظر طبيعية جاء في إطار بحثها عما يمثل انعكاسا مباشرا لحالتها الوجدانية.