×
محافظة حائل

بدء التحويل الداخلي في جامعة حائل الأربعاء

صورة الخبر

انقضى شهر رمضان، وعند انقضائه تتهيأ الأجواء دائما لتقبل توجه المراجعة في تقييم الأعمال الفنية، التي ازدحمت بها شاشات الفضائيات العربية على مدار أيام الشهر الكريم، وبقصر التناول على الأعمال الكوميدية، باعتبارها الحصان الرابح في قائمة اهتمامات المشاهد العربي، يثور تساؤل مهم حول مدى قدرتها على إثارة المحفز النفسي للمشاهد على الضحك، فهل نجحت برامج الكوميديا في إدخال السرور على نفس المشاهد، وإحاطته بأجواء البهجة الحقيقية؟ لتكن الإجابة من خلال تقييم أشهر برنامجين كوميديين قدما هذا العام، الأول برنامج «رامز قرش البحر» الذي حظي بمتابعة الملايين، كما تشير إحصائيات متابعي صفحته على موقع الفيس بوك، فمن ناحية نجح البرنامج في إثارة غريزة الضحك لدى المشاهد في الكثير من حلقاته، لكن حقيقة الضحك في المقابل، لم تكن قائمة على المرح النابع من إدراك لمغزى المفارقة بين سلوك الواقع، والسلوك الافتراضي للضيف، بل كانت نابعة من الإقرار الضمني لمقدم البرنامج، الممثل المصري رامز جلال بالنجاح في استدراج الضيف إلى مأزق مميت في عرض البحر، وسط حصار الأمواج العريضة، وأسماك القرش القاتلة، وهذا الاختلال في الالتزام بقواعد إنتاج الكوميديا فكرة وأداء، يستدعي تسليط الضوء على علاقة هذا البرنامج بالكوميديا. تقوم فكرة برنامج «رامز قرش البحر» على خداع الضيف، واستدراجه عبر برنامج وهمي إلى عرض البحر، وتدبير مكيدة تتسبب في قلب أجواء السلام النفسي التي ينعم بها الضيف، ثم دفعه بغتة، ومنفردا إلى مواجهة الموت المحتم بين أنياب أسماك القرش التي تتدافع نحوه لتفترسه، ولا تتوقف تقاليد البرنامج عند ترويع الضيف بمشاعر الموت الأليمة، بل يمعن رامز جلال في السخرية من الضيف، والاستهانة بمشاعره، وإطلاق الضحكات الهزلية ردا على استغاثاته وسط الأمواج، وتقديم قراءة لاذعة لماضيه الشخصي والمهني. واللافت أن البرنامج أداء وفكرة، يتطابق تماما مع مضمون «السادية»، وهي مرض نفسي يدفع المريض به إلى التلذذ بتعذيب الآخرين، و«السادية» تعود إلى الماركيز الفرنسي دي ساد الذي كان يستدرج ضحاياه من النساء، ويتلذذ بتعذيبهن، وهو بهذا المنحى أيضا، لا يعاني فقط من الإخلال بمبدأ الكوميديا فحسب، بل يستغل فن الكوميديا في التعبير عن علل ونزعات مرضية خطيرة، وما يؤكد صدق هذا الاستدلال مجاهرة رامز جلال بساديته في تتر المقدمة بلا خجل، حيث يعترف بأنه مريض، وأنه يستدرج أصدقاءه ليلهو بحياتهم، فالبرنامج يستبيح بفجاجة وتبلد، حياة الإنسان وكل حلقة من حلقاته تمثل شروعا في القتل، ولا يمكن اعتبار ذلك من الكوميديا، أو تبريرا لإثارة الرغبة في الضحك. ويتكرر توجه الإخلال بمبدأ الكوميديا في برنامج «واي فاي 3» الذي يفتقر إلى الأداء الابتكاري، ويقوم على اعتماد مهارة «التقليد الأدائي» كمعالجة أساسية لفقراته، ويعتمد على تكرار المواقف التي حظيت بصدى إعلامي طيلة العام، ولا يطرح مواقف جديدة مبتكرة تحفز عاطفة الضحك من خلال الأداء العفوي التلقائي، الذي يستظهر معنى المفارقة بين السلوك الواقعي للممثل والسلوك الافتراضي، فالبرنامج عبارة عن لقطات أدائية عاطفة الضحك لدى المشاهد، بدلا من أن تستدعي وتفجرها. وفي المحصلة وكإجابة على التساؤل الأساسي، نجد أن هذه البرامج فشلت في إبهاج المشاهد وإمتاعه، بل كانت تستجدي الضحك منه في محاولة يائسة لإثبات حضورها، ولا يمكن فصل هذه النتيجة عن التقاليد التي انتهجتها في محاولة إنتاج الكوميديا، وهي تقاليد تضرب بعيدا عن قواعد الكوميديا الحقة، فالكوميديا ينبوع الضحك، والمفارقة أصل الكوميديا، والمفارقة تؤدي حتما إلى الكوميديا، لكن ليس كل ما قد يستثير الضحك، يمكن أن يصنف ضمن الكوميديا، فالهدف الأسمى للكوميديا هو الترويح عن النفس وإحاطتها بأجواء البهجة السرور وليس مجرد الضحك، ورغم أهمية الضحك كحالة نفسية محببة للإنسان، إلا أنه لا يجب أن يتخذ وسيلة لإشباع نزعات أخرى، تحرفه عن طابعه الإنساني، لا سيما إذا كانت مرضية.