نصيحة قانونية : جريمة إصدار شيك بدون رصيد شرعا ونظاماً ؟! المحامي : شهوان بن عبد الرحمن الزهراني. يتساهل كثير من الناس في إصدار شيك بدون رصيد ، دون إمعان النظر في مآلات ذلك التصرف وعواقبه شرعياً وأخلاقياً واقتصادياً ونظامياً، فيقدم على ذلك التصرف دون تأن أو تورع، ولا يهمه إلا الحصول على منفعة ولو كانت بطريق غير شرعي.!؟ كما أن الطرف الآخر ( وهو المستفيد ) يقدم على قبول ذلك الشيك ويتغاضى عن الحقيقة فهو يعلم يقيناً أن ذلك الشيك بدون رصيد ، وكثير من أولئك الذين يقبلون بالشيك بدون رصيد يعللون هذا التصرف بأن وجود الشيك في أيديهم هو ضمان لحقهم بحيث لا يستطيع مصدر الشيك ( الساحب ) إنكار ذلك الحق، بوصف أنه يحمل توقيع الساحب فيعتبر حينئذ بمثابة إقرار بقيمة الشيك حسب مفهومه، ومن هنا يتحول الشيك إلى مجرد إقرار بالحق مع أن الشيك في حقيقته وجوهره هو أداة وفاء وليس أداة ضمان ، وبعض أولئك الذين يقومون بإصدار شيك بدون رصيد يتفقون مع المستفيدين بأن يحتفظ المستفيد بالشيك إلى حلول التاريخ المحدد به ثم يعودون إلى الساحب لقبض قيمة الشيك نقداً مقابل إعادة الشيك. فيبقى المستفيد محتفظاً بالشيك إلى التاريخ المحدد في الشيك ثم يكون له الخيار حسب الاتفاق فإما يعيد الشيك للساحب ويقبض قيمته نقداً، أو يقدمه للبنك المسحوب عليه في حالة عدم استلام قيمة الشيك من الساحب . وهذه الإجراءات كلها مخالفة صريحة للنظام ، فإصدار شيك بدون رصيد ليس مجرد مخالفة بل هو مصادمة للشرع وتلاعبا بالنظام فهو جريمة جنائية، ومع أن ذلك الأمر ليس خافياً على غالبية المتعاملين بالشيكات لكنهم يصرون على فعل هذه الجريمة، وبرغم أنه بتدقيق النظر في ذلك الفعل نجد أنه محرم شرعاً، وقد نظام على أنه جريمة جنائية منذ صدور نظام الأوراق التجارية في المملكة بمقتضى المرسوم الملكي رقم (37) وتاريخ 11/10/1383هـ. أي قبل أكثر من نصف قرن إلا أن التلاعب وارتكاب هذه الجريمة لازال مستمراً من قبل بعض المتعاملين الذين وجدوا في الشيك فرصة للغش والخداع والتحايل على الآخرين إما بحسن نية من المستفيد أو بسوء نية لكون المقابل للشيك لا يساوي قيمة الشيك أصلاً فهو يقبل بشيك بدون رصيد إلى أجل باعتبار أن الشيك وسيلة إثبات وضمان لذلك الحق مقابل تمرير الصفقة التي يرى أنها أقل من القيمة المدونة بالشيك، ومن هنا يتحول الشيك من حالة كونه أداة وفاء واجب الدفع فور صدوره وتقديمه للبنك المحسوب عليه – بغض النظر عن التاريخ المدون بالشيك إلى مجرد وسيلة ضمان وإثبات حق. ومع أن نصوص العقوبات الخاصة بجريمة إصدار شيك بدون رصيد لم تبق نصوصاً جامدة بل تم تحديث ما يستوجب تحديثه، فبعد أن استشرت هذه الظاهرة السيئة المضرة بالاقتصاد وقيم التعامل ومبادئ حسن الوفاء واستهان بها بعض المتعاملين فقد أرتأى المنظم السعودي ضرورة تعديل نص المادة (118) من نظام الأوراق التجارية السعودي ، فتم تعديل ذلك منذ عام 1409هـ ومن ثمّ تم إضافة بعض الحالات والصور التي تدخل ضمن جريمة إصدار شيك بكون رصيد، فضلاً عن أن المنظم نصّ على تشديد مقدار العقوبة، رغبة في ردع المتلاعبين ومرتكبي هذه الجريمة ، فقد تكون العقوبات السابقة ليس فيها ما يردع هؤلاء. ورغبة في إعادة هيبة وقوة الشيك بين المتعاملين ، وبخاصة أن التعاملات اصبحت بمبالغ كبيرة جداً، ولا سبيل للتعامل بالنقد لضخامة تلك المبالغ وخطورة نقلها، فأصبح الشيك يمثل عنصراً كبيراً في حفظ الحقوق وتحويل المبالغ من الساحب إلى المستفيد عن طريق البنك المسحوب عليه دون أي خطورة في نقل النقود أو معاناة أو خوف عليها في الاحتفاظ بها في حوزة المستفيد، فالعمل بالشيك مهما كانت قيمته هو الوسيلة الأسهل والأسلوب الأمثل في انتقال الحقوق المالية من ذمة إلى ذمة عن طريق وسيط وهو البنك العميل دون مخاطر في ذلك. وبالتالي فقد أصبح الشيك بحق أداة وفاء بارزة وموثوق بها إلى حد توفر القناعة والثقة والاطمئنان بين المتعاملين بهذا الشيك، ومن ثمّ فإن حماية هذه الثقة أصبحت واجبة نظاميا وأخلاقياً ودينياً. فبمجرد توقيع الشيك من الساحب واستكمال بياناته وتسليمه للمستفيد فكأن المستفيد حينئذ يعتبر أنه قد قبض المبلغ. فإذا تبين عند تقديم الشيك للبنك أنه بدون رصيد فقد أهدرت تلك الثقة في الشيك واهتزّ موقف المتعاملين ويخرج الشيك عن إطار الهدف الموضوع من أجله وهو حفظ الحقوق المالية وتسهيل انتقالها بين المتعاملين بكل يسر وسهولة وأمان، ويصبح وسيلة سريعة ورخيصة لأكل أموال الناس بالباطل. وهو أمر مؤداه تحرج الناس وتخوفهم من قبول الشيك لما قد يكتنفه من غرر وتدليس ويعتريه من مخالفات تضيع معها الحقوق. وجريمة إصدار شيك بدون رصيد ليست خاصة بما يحدث في المملكة بل هو وباء قد يوجد في أي بلد في العالم لكن العبرة في قوة الردع وسرعة العقوبة وكفّ أيدي المتلاعبين وغلّها عن القيام بذلك . وبخاصة أن هناك وسائل وطرق يمكن بها ضمان وحفظ الحقوق ومنها الكمبيالة والسند، أم الشيك فليس وسيلة إلى مثل ذلك، لأن المتعاملين ينحدرون بمكانة الشيك والثقة به إلى مكانة أقل من مكانته الحقيقة وقوته في الوفاء وأداء الحقوق. ومع أن الكمبيالة والسند تتفق مع بعض الخصائص العامة الشكلية الظاهرة في الشيك لكن للشيك قوة يتفوق بها على الكمبيالة والسند باعتباره أداة وفاء فورية لا فرق بين استلام الشيك من الساحب بعد توقيعه واستكمال بياناته وبين قبض النقود يداً بيد. أما السند والكمبيالة فلا يستحق المستفيد القيمة إلا عند حلول التاريخ المحدد ولا يمكن المطالبة بقيمتهما قبل حلول ذلك التاريخ. وبرغم أننا لم نتعرض إلى التفاصيل في النصوص النظامية لكن لا بد من التنويه هنا بأنه ينبغي عدم التساهل في قبول أي شيك بتاريخ مؤجل لكون هذه الشيكات تشير إلى أنه لا يوجد لها رصيد، أما إذا أخذ المستفيد ذلك الشيك بحسن نية ودون علمه بأنه بدون رصيد فعليه إذا تبين له أن الشيك بدون رصيد كافٍ لقيمته، أن يطلب من البنك المسحوب عليه الشيك ورقة اعتراض، ومن ثم السعي إلى استكمال الإجراءات النظامية أمام الجهات المختصة وبخاصة أن عقوبة جريمة إصدار شيك بدون رصيد قد نصّ عليها نظام الأوراق التجارية في المادة (118) المعدلة بموجب المرسوم الملكي رقم م/45 وتاريخ 12/9/1409هـ وطبقاً لما جاء في قرار النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، الصادر بتاريخ 26/5/1431هـ. فإن كل من يرتكب هذا الفعل سيعاقب بالعقوبات المقررة نظاماً، وهي الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات والغرامة بمبلغ يصل إلى خمسين ألف ريال، فضلا عن عقوبة التشهير به في إحدى الصحف التي تصدر في منطقته أو أقرب منطقة إليه. ومن هنا فليحذر المستفيد من الانسياق إلى عملية التفاوض مع الساحب ( كما يقوم به بعض المستفيدين ) ذلك إن التفاوض قد يؤدي إلى إطالة الوقت وهو أمر في غير صالح المستفيد كما أن الساحب ينبغي عدم التساهل معه فكونه أقدم على إصدار شيك بدون رصيد وبسوء نية فقد اقترف جريمة لا بد أن يتم تقديمه للجهة المختصة لمعاقبته عليها. وفي ختام القول فإنني أتمنى أن يتحرى الإنسان الصدق في تعامله مع الناس ولا يسعى أو يحاول أن يأكل أموالهم بالباطل أو يغشهم في تعامله معهم فذلك محرم شرعاً فقد قال الله عزّ وجل:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:[ من غشنا فليس منّا ] وفي هذا ما يدل على أن إصدار شيك بدون رصيد معصية صريحة لله عز وجل وعدم التزام بما يفرضه ولي الأمر من أنظمة ، فليحذر من مغبتها كل عاقل. اللهم إنّا نسألك أن تغنينا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمّا سواك. كتبه / المحامي شهوان بن عبد الرحمن الزهراني Sfa_10@hitmail.com