قبل أن تُمنح أليس مونرو نوبل الآداب عام 2012، لم أكن قد قرأتها أو حتى سمعت بها. فالمرء في العادة لا يعرف شيئا كثيرا عن كتاب الدول السعيدة. وكندا من تلك البلدان الهانئة التي لم تفز بالجوائز من قبل لأنها تُعطى عادة إلى روائيي الدراما وشعراء العذاب. يجب على الكاتب أن يمثل قضية أو شعبا أو مرحلة وأن يكون ذلك دراميا. أي مأخوذا من عمق الإنسان لا من أفراحه. الشعر الفرح والجزل يفوز فقط في مسابقات الأغاني ومباريات الشباب. لكن بعد الشباب يتخذ المرء صورة جدية، كما تقول أليس مونرو: لا يعود يليق بالفتاة أن تمضغ العلكة. أما الرجل فمن المخزي أن يفعل ذلك. تلك صورة من كندا الأربعينات. وعندما تقرأ رواية «حيوات البنات والنساء» سوف تدرك لماذا استحقت السيدة مونرو تلك الجائزة المعبرة عن إنجاز أدبي عظيم. سوف تكتشف ما كنت تراه ولا تعرفه. وهو أن كندا نشأت من مجتمع فلاحين وبسطاء ولذلك، لا يزال تغلب عليها، حتى الآن، عادات الريف وبساطة أهل القرى. تدور «حيوات البنات والنساء» ما بين الريف والمدينة، السلم والحرب، الكفاية والفقر. ومثل جميع الكتاب الكبار تبدو السيدة مونرو أميرة من أمراء التفاصيل. ترسم لوحة مثل صورة فوتوغرافية اتخذها أهل القرية في مناسبة وطنية كبرى. وفي هذه الصورة دراسة طوعية لكل وجه حتى لو كانت بالأسود والأبيض. للوهلة الأولى تبدو الصورة صامتة. لكن بعد تأمل سريع سوف ترى أن كل ما يظهر فيها يقول شيئا ما: بابتسامته. بانحناءته. بأسماله. بربطة عنقه المستعارة والعريضة والمقلمة كأنها من متحف تاريخي لتطور ربطات العنق. السيدة مونرو شيء رائع في عالم الآداب. لقد اخترقت سطحيات كندا السعيدة وجعلت لها ملامح إنسانية عميقة. ولعلها علمت الكنديين أنهم ليسوا بسطاء بقدر ما يظنون ولا هم نماذج من الشمع الذي يذوي لكنه لا يحترق. أنا أحببت الحياة في كندا لأسباب تشبه في أكثرها أسباب السيدة مونرو. وأهمها البساطة وراحة البال. يولد التواضع في كندا في السهول ولا تغمره الثلوج حين تغمر البلاد دفعة واحدة كأنما ليس لدى الشتاء مكان آخر يفرغ فيه حمولته. تقرأ السيدة مونرو بمتعة، خصوصا للذين عرفوا كندا. ومبروك، مع الاعتذار عن التأخير.