شكلت سينما الفردوس في وسط دمشق مقصداً لسكان الضواحي الشعبية للعاصمة السورية، الا ان النزاع المستمر منذ اكثر من عامين، حرمها زحمة الرواد والافلام الجديدة، ودفعها إلى تكرار العروض نفسها طوال هذه المدة لأعداد نادرة من الزوار. ويوضح جمال الساسا (خمسيني) الذي يدير الصالة منذ نحو خمسة عشر عاما انه اغرم بالسينما منذ ان كان طفلا صغيرا "ففي الثانية عشرة، بدأت ابيع حلويات، وكنت اذهب الى قاعة البث لاشاهد كيفية تشغيل الاشرطة". الصالة قديمة ونظام التهوئة فيها سيىء. على جدرانها ملصقات غلب عليها الاصفرار تعلن افلاما قديمة. وينظر الساسا بابتسامة عريضة الى فتى صغير يقف اليوم عند مدخل السينما ليبيع حلويات والواح شوكولا الى الزبائن النادرين. في شهر ابريل الماضي، اغلقت قاعة "سينما سيتي" ابوابها بسبب الحرب. وكانت من ابرز المجمعات الحديثة في العاصمة مع صالة تعرض اكبر الأفلام العالمية. وفي الامكان اليوم مشاهدة احجار الباطون التي ارتفعت عند المدخل وحجبته تماما. ويقول جمال "زبائنهم من الطبقة الميسورة، وقد غادروا العاصمة. لم يعد احد يقصد السينما". وتأثرت الصالات الاخرى "درجة ثانية" وبينها "الفردوس" سلبا بهذا الاقفال، إذ إنها كانت تشتري من "سينما سيتي" بأسعار مخفضة افلاما انتجت خلال السنوات الاخيرة. ويقول جمال الساسا ان "آخر دفعة من الافلام اشتريناها تعود الى العام 2011"، السنة التي شهدت اندلاع الانتفاضة ضد نظام الرئيس بشار الاسد. ويضيف "منذ ذلك الوقت، نبث اربعة افلام في الشهر. وكلما انتهت عروض هذه الافلام الثلاثين، نعاود بثها مجددا". ولم يعد في قدرة الادارة شراء افلام جديدة بسبب اقفال "سينما سيتي"، وايضا بسبب تراجع عدد الزبائن. حتى عصر ذلك اليوم، عشرة اشخاص فقط اشتروا بطاقات لحضور العرض. ويروي جمال ان صالات السينما السورية كانت تعاني من ازمة اصلا قبل الحرب "بسبب الانترنت والقنوات الفضائية". ويضيف "لكن مع الحرب، كان الفقراء يأتون من ريف دمشق الى هنا لمشاهدة الافلام. هؤلاء توقفوا عن المجيء". وتشهد مناطق عدة في ريف دمشق منذ اشهر معارك طاحنة بين مقاتلي المعارضة والقوات النظامية. وتتسع الصالة لنحو 800 مشاهد. والعرض الذي قصده صحافيو وكالة فرانس برس لا يتعدى عدد مشاهديه اصابع اليد الواحدة. ويقول الساسا ضاحكا "البعض يمضي احيانا النهار كله هنا في قاعة مظلمة". الا انه يستدرك سريعا مستعيدا لهجة جدية وحزينة. "ان قلة عدد الزبائن تشعرني بالمرض. اجمل شيء بالنسبة لي كان ان اجلس وراء مكتبي وان اراقب ردود فعل الناس وتعليقاتهم على الفيلم". ويضيف "في السابق، كنت اطلب من الناس الالتزام بالطابور وعدم التزاحم. اليوم، يبدو لي الوقت وكأنه لن ينتهي". تم تدشين سينما "الفردوس" العام 1948، "عندما كان طول الطابور يصل الى مئة متر"، مضيفا انه لا يمكن انقاذ الصالة، ما لم يحصل استثمار ضخم فيها. ويضيف "لكن من سيستثمر في الحرب؟ افضل ان اموت قبل ان ارى الصالة اقفلت".