كان مايكل ماير، مراسل «نيوزويك» في أوروبا الشرقية في الثمانينات، آخر صحافي يقابل نيكولاي تشاوشيسكو صيف 1989. فيما كانت موسكو والمجر وتشيكوسلوفاكيا تزداد انفتاحا، كان ديكتاتور رومانيا يزداد تشدُّدا، يعيش في عالم لا علاقة له بالحقائق والوقائع. سأله ماير: لماذا محلات بوخارست فارغة من البضائع؟ جواب: لأن الشعب الروماني يفضل أن يخبئها في المخازن. سؤال: أنت متهم بعبادة الشخصية. جواب: ليت العالم الثالث برمَّته يُرزق بعبّاد الذات مثلي! ما رأيك في التجربة الديمقراطية البادئة في بولندا والمجر: «كارثة. يجب وقفها فورا». ثم لم يعد يرد على الأسئلة، انطلق طوال ساعتين يتحدث عن عظمة التجربة الشيوعية وانهيار الغرب الفاسد: «كان يحرِّك يديه وساعديه، وشفتاه ترتجفان وهو يصرخ. بدا الرجل خاليا من أي حضور أو كاريزما. لم ألتقِ في حياتي رجلا خاليا من الخصائل الإنسانية مثله. كان منقطعا تماما عن الحياة العادية والمشاعر العادية وعن فهم الأشياء. كان المرافقون يركعون أمامه ليخاطبوه». صعد نيكولاي تشاوشيسكو في مراتب الحزب من صانع أحذية إلى زعيم، عام 1965. عام 1967 قطعت دول أوروبا الشرقية جميعها علاقاتها مع إسرائيل إلاّ هو. وقرر الغرب أن يكافئه على ذلك فزاره في بوخارست ريتشارد نيكسون والملكة إليزابيث وغيرهما. كذلك رفض مشاركة موسكو في غزو براغ عام 1968. وخلافا لدول الكتلة الأخرى، ظل في الأعوام الأولى يسمح بدخول الصحف الغربية ولا يشوش على الإذاعات الخارجية. لكن كل شيء بدأ يتغيَّر عندما بدأ الرجل يصنع ديكتاتوريَّته. صدَّق أنه خطيب مثل فيدل كاسترو فراح يلقي الخطب لثلاث ساعات. وأغدق عليه منافقوه جميع أنواع الألقاب: «دانوب الأفكار»، «القائد العظيم»، «الزعيم المحبوب»، و«سيد العباقرة». لذلك، لم يجد «دانوب الأفكار» أي حرج في بناء أكبر قصر على الأرض، ألف غرفة من الرخام الأبيض، توازي كلفته مجموع صادرات رومانيا في عام كامل. في المقابل، كانت الناس تقف في الطوابير طوال ساعات من أجل الحصول على الخبز والحليب. كل شيء آخر كان من الكماليات. فلا يطلب. بعد ستة أشهر من المقابلة التي أجراها ماير، حاول «دانوب الأفكار» الفرار، لكن حرّاسه ألقوا القبض عليه. والمرافقون الذين كانوا يركعون أمامه، أقاموا محكمة صوريَّة فاقعة وأصدروا عليه وعلى زوجته إيلينا حكما بالإعدام بالرصاص، ثم صورت جثتاهما في كوخ مليء بالقش. لم تصدق إيلينا تشاوشيسكو ما ترى: «من أنتم؟ من أنتم؟ من تظنون أنفسكم؟». الأذكياء من زملاء تشاوشيسكو فرّوا قبل فوات الأوان. تجنَّبوا الرصاصة والحصيرة والقش. كانوا أكثر صلة بالحقيقة وأدركوا أن ما فعلوه عبر السنين يؤول غالبا إلى مثل هذه النهايات. من أنتم. من أنتم.