اجتمعت العوامل كلها في توافق غريب على قلة راحة المشاهد بعد أن دخل في متاهة المتابعة للبرامج والأعمال الدرامية الرمضانية فتحمل مُجبراً عبء الإعلانات التجارية التي أصبحت مُقررا مستفزا ثقيلا لوقت يصعب معه التركيز في العمل الدرامي ومتابعة سِياقه ومن ثَم ربط الأحداث بعضها ببعض، فلم يكتف القائمون على تلك الأعمال بصنع دراما مهلهلة أحيانا ولكنهم زادوا الجرعة سوءا عندما بالغوا في الاستعراض الإعلامي لتلك الإنتاجيات، من أجل التعاقد مع الكثير من الفضائيات التي بدورها لم تقصر في عرض الإعلانات التجارية لزيادة دخلها والخاسر الوحيد كان المشاهد لخروجه من منظومة الأرباح والعوائد بتذمر ملحوظ. لقد خرجت المسألة حقا عن المألوف وباتت الشاشة العربية في مهب الريح، فمع المط والتطويل يلجأ الجمهور للمواقع الإلكترونية لمشاهدة عملهم المفضل وحتى تلك الخطوة التي اتخذ فيها الجمهور قراره بالفِرار تدخلت الفضائيات لتستحوذ عليها أيضاً بالتنويه عن مواقعها على الشبكة العنكبوتية خلال شريط العرض التلفزيوني وكأن المشاهد بات محاصرا من جميع الجوانب الشاشة والإنترنت، فماذا يفعل وسط التخمة الإعلانية التي تلاحقه من جميع الجهات، فهي فوضى عارمة يصعب معها التركيز على عمل بعينه على الرغم من أن الموسم الرمضاني حافل بالكثير من الأسماء الفنية الرائعة ولكن تضارب المواعيد وكثرة الإعلانات التجارية والمشاجرات العائلية على عمل بعينه أفقدت العمل رونقه وجعلت المشاهد يمل من متابعة شيء لعدم الالتزام بمواعيده فيما بعد. الأطفال لهم توجهاتهم التي يتطلعون لها والكبار لهم أعمال مفضلة ينتظرونها.. هكذا تظل الأسرة العربية في صراع ومعركة يومية مع الريموت كونترول في حَلبة الإعلانات التجارية والشبكات العنكبوتية، أيضا ساعات العرض المحددة التي اعتاد عليها المتابعون من بداية الشهر الكريم لعمل درامي أو برنامج ما ذهبت مع الريح مع رواج الموسم في الربع الأخير من الشهر ومن ثَم فتح أوقات أكثر للإعلان فبدأوا يقلصون حجم مشاهدتهم بعد التأخير الملحوظ في الكثير من تلك الأعمال والتي تراوح مدة التأخير ما بين ساعة إلى ساعة ونصف فانخفض حجم المشاهدة ولا نقصد هنا نسبة المشاهدة بل نَعني عدد الأعمال التي كان يتابعها المشاهد. الفضائيات تسعى نحو جني أرباح العرض في رمضان بشكل سريع. "الاقتصادية" الآن أصبحت الرؤية واضحة للعامة فالفضائيات تسعى نحو جني أرباح العرض في الشهر الكريم بكل ما أوتيت من قوة وبشكل سريع قبل الرجوع لسابق عهدها من عرض أعمال مكررة وقديمة ومسلسلات تركية مَل منها المشاهدون، على الجانب الآخر نجد أن صناع الدراما والبرامج التلفزيونية يحاولون مُجارة الفضائيات العربية فما يحصلون عليه من عوائد توزيع تجعلهم يمسخون العمل الدرامي الذي لا تستوعب أحداثه أكثر من 15 حلقة إلي 30 حلقة من أجل التواجد طوال الشهر على الشاشة ولأن الفضائيات لا تقبل بعمل أقل من ثلاثين حلقة حتى لا يبتعد عنها جمهورها وتخسر ماديا فللاستمرار في العرض خلال أيام وليالي الشهر الكريم ميزة فضائية ونقمة بالطبع على المتابعين، لذلك يلجأ السيناريست بمعاونة شركة الإنتاج إلى المضي قدما في أعمالهم لشهر كامل ما يجعلهم يقعون في متاهة المط والتطويل والثرثرة الدرامية المجانية، فنجد أن كثيرا من الأعمال التي تبدأ بتسلسل درامي وتوهج تتراجع وتسير في إيقاع رتيب ومُمل وهو ما يعود على المشاهد الذي يشعر سريعا بتغير الوتيرة التي سار عليها العمل من البداية وهذا هو الخطأ الذي وقعت فيه أعمال كثيرة رمضانية في الموسم الحالي، لاشك أن تلك الظاهرة جعلت من عرش بعض القنوات الفضائية واهيا سهل السقوط وعليهم أن يعيدوا النظر في مسألة العرض الرمضاني وإعادة التفكير في موسم عرض جديد خارج إطار الشهر الكريم كي لا تقع الدراما في مستنقع التفاهة والسطحية وإعطاء الفرصة لأعمال جيدة ظُلمت ولم تحقق نسب مشاهدة معقولة بسبب تحكم شركات الإنتاج وشعورها بالتذمر والاستياء إذا لم تعرض أعمالهم في الشهر الكريم، عليهم أن يعوا أن هناك الكثير من الأعمال التي أثبتت نجاحها في دورات عرض أخرى خلال العام بل بالأحرى لابد من الوقوف بأعمالنا العربية ضد الدراما المستوردة والتي تجد مجالا خصبا لانتشارها بعد انتهاء شهر رمضان فنحن السبب في ذلك بسبب تمسكنا بالعرض الرمضاني، يجب إعادة التفكير في المصلحة العامة والخوف على الصناعة التي تُدر الكثير وليبتعد المنتفعون الذين من شأنهم تدمير الصناعة الفنية العربية لصالح أخرى وعلى الكُتاب العرب إثبات جدارتهم ومعهم شركات الإنتاج لصنع موسم درامي آخر يستطيع المشاهد من خلاله فرز المعروض وانتقاء الأفضل.