"سياستي صادقة ومباشرة، أنا لا أملك أجندة خفية وأقول بصراحة إنني أرغب أن تلعب إيران دوراً في المحيط الهندي. ليس لدي اعتراض على التواجد الأمريكي فيه بل إنني سأدافع عن مصالحكم بالتأكيد". تلكم كلمات شاه إيران (محمد رضا بهلوي) منذ حوالي أربعين عاماً في 24/3/1976م عند لقائه بنائب الرئيس الأمريكي (نيلسون روكيفلر). في مقالة اليوم نستعرض مقتطفات من طريقة التفكير الخاصة بالعقلية الفارسية. بداية وبعد الكلمات الصادقة والمباشرة لشاه إيران، هل سمعتم عن مصطلح " انعدام العقلانية المتقمص"؟؟ إنها سياسة ترمز إلى إيهام الآخرين بأن طهران غير عقلانية في الوقت الذي تصاغ فيه السياسة الحقيقية خلف ستار السلوك المتناقض. ونقلا عن (تريتا بارزي) في كتابه (حلف المصالح المشتركة) يقول أحد معاوني مستشار الأمن القومي الإيراني إنه:"ينبغي البقاء على مسافة محسوبة بعيدا عن الأجانب وعليك ألا تجعلهم يفهمون كيفية إدارتك لشؤونك الخاصة. لهذا السبب، إثارة الحيرة أمر مقصود. ولهذا يسمحون للمؤسسات المختلفة بالتعبير عن العديد من السياسات المتناقضة، ولا بأس بذلك فهذا يوفر لإيران الأمن لأننا نعرف ما نريد أن نقوم به". ويؤكد (أمير مهيبيان) الاستراتيجي الإيراني المحافظ هذا المبدأ بقوله:"ينبغي ألا نكون دولة يمكن لأعداء إيران معرفة طريقتها في التفكير والتوقع بما ستقوم به. لم يكن بمقدور الولايات المتحدة أن تعبث مع الإمام الخميني لأنه لم يكن في الإمكان معرفة طريقته في التفكير.. ويرجع سقوط صدام إلى أن طريقته في التفكير كانت معروفة. وهم عرفوا أنه حتى لو كان يملك أسلحة الدمار الشامل فهو لم يكن يجرؤ على استخدامها". ومن إرباك الأعداء وتضليلهم انتقل معكم للحديث عن الفلسفة الإيرانية في الحوار. واستشهد بنائبة الرئيس الإيراني للشؤون البيئية (معصومة ابتكار) في محاضرتها بطوكيو في 3/4/2014: بقولها:" عندما نتحاور فهدفنا ليس مجرد الحوار وتبادل الآراء بل وضع أهداف مشتركة يمكننا فيها التعاون مع الطرف الآخر، وبالنسبة لإيران فإن الهدف المشترك هو الحرب على العنف والتطرف!". ويمكن القول بأن هذه العبارة تختصر الكثير مما يدور في الحوار الاستراتيجي بين إيران والغرب منذ سنوات. ويبقى تعريف العنف والتطرف عبارة مطاطية يمكن صياغتها وتعريفها بما يتكيف مع وجهات النظر والمصالح. ومن نافلة القول أن الكثيرين يستشهدون بدهاء الفرس وأنهم لاعبو الشطرنج وصانعوا السجاد ذوو النفس الطويل! والشطرنج، لمن يعرف قواعده، يقوم على كيفية محاصرة ملك الخصم وقتله بعد حرمانه من أي تحركات فلا حل سوى فرض الهيمنة وإزاحة قطع الطرف الآخر. وكما كان الشاه مولعاً بالقيادة والهيمنة على المنطقة وإرسال سفنه للمحيط الهندي فلا تعجب من قول الرئيس الإيراني الأسبق (أحمدي نجادي):" عما قريب ستصل موجة الثورة الإسلامية للعالم أجمع!". وما المشروع النووي الإيراني وبقية التحركات في المنطقة إلا تكتيكات للوصول لهدف القيادة والهيمنة رغم تكاليفها الباهظة وآثارها السلبية على الاقتصاد والتنمية ومستوى المعيشة لأفراد الشعب الإيراني.. وأخيراً، يقول (هنري كيسنجر) وزير الخارجية الأمريكي الأسبق: "لا نستطيع دوماً أن نضمن مستقبل أصدقائنا، ولكن عندنا فرصة أفضل لنضمن مستقبلنا إذا عرفنا من هم أصدقاؤنا!". خلاصة مقالة اليوم أنه ما حك جلدك مثل ظفرك. فالصداقة مع أمريكا والغرب والشرق مجرد وسيلة والحوار مع إيران مجرد وسيلة والهدف الاستراتيجي هو بناء دولتنا القوية وأمتنا القوية بحكمة وتوازن وتعايش لنكون القوة الإقليمية كهدف مرحلي وقوة عالمية كهدف نهائي. ولنصل لهذا الهدف فلا بد من بناء قدراتنا الذاتية في مختلف المجالات وخاصة العلمية والتقنية.