أراد الله سبحانه وتعالى بالجزيرة العربية خيرا عندما قيض لها رجلا مقداما حكيما يخاف الله استطاع أن يعلي كلمة الحق وينصر دين الإسلام في منطقة كانت تعج بالمعتقدات الخاطئة وعدم الاستقرار وقلة الأمن والأمان، حيث كان القوي يأخذ حق الضعيف عنوة، وكان الناس من جهلهم يتفاخرون بغزواتهم على جيرانهم وقتلهم وسلبهم لأموالهم بغير وجه حق، إلى أن بدأت بشائر الخير تلوح في الأفق عندما بلغ عبدالعزيز الخامسة والعشرين من عمره في عام 1318 هـ حيث طلب من والده الإمام عبدالرحمن السماح له باستعادة حكم أسرة آل سعود، فكانت أجمل بداية يسطرها التاريخ عندما استرجع الرياض بعدد قليل من مرافقيه المخلصين، ثم توالت انتصاراته بضم منطقة نجد ولقب بسلطان نجد وبعدها ملكا لنجد والحجاز إلى أن وحد المملكة العربية السعودية في عام 1351هـ. وفي حسبة بسيطة بين تاريخ البداية وتوحيد الدولة يكون عدد السنين 33 عاما من فتح الرياض إلى إعلان مسمى المملكة العربية السعوديه قضاها الملك عبدالعزيز بعزيمة وإيمان وإقدام رغم المخاطر والأهوال التي تحيط به والمؤامرات والمخططات الخارجية والداخلية التي كانت تحاك ضده - رحمه الله - والتي لم تثنه عن مواصلة طريق الخير وكبح جماح الشر في دولة بحجم قارة. كانت القبائل قبل توحيد الدولة في تناحر وتفاخر وفي الغالب لا يستطيع الرجل دخول أراضي القبيلة الأخرى إلا بمعرف، ولكن الملك عبدالعزيز استطاع أن يجمع القبائل والعوائل تحت مسمى (سعودي) فتجد اليوم المجالس والطرقات والأسواق والمساجد مليئة بجميع الأطياف والأعراق والفئات متحابين هدفهم واحد وهويتهم واحدة بعد أن كانوا يحملون لبعضهم الضغينة والعداء. وها نحن اليوم نجني الثمار وننعم ولله الحمد بالأمن والاستقرار في بلادنا الغالية التي يجب أن نحافظ على أمنها وتماسكها وتقدمها بكل ما نملك من قوة، ونأخذ العبرة من الأهوال التي نشاهدها في الدول المجاورة من قتل وظلم وتدمير وانتهاك للأعراض وفرار العوائل إلى مخيمات اللاجئين والمصير المجهول بعد أن كانوا آمنين مطمئنين. ومن الإنصاف أن ندين للملك عبدالعزيز بالفضل بعد الله على كل ما نراه في هذا البلد الأمين، وأن نحفظ البيعة والمحبة لأبنائه الذين ساروا على نهجه، فعن عبدالله بن عمر أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية) وأمام كل هذا فإن الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - يستحق وصفه بـ «الملك المعجزة» أو الاستثنائي.. نسأله سبحانه وتعالى أن يجعل ما قدم لدينه وأمته ووطنه ومواطنيه في ميزان حسناته وأن يجزيه خير الجزاء.