* آخر فيلم تم عرضه في قائمة الأفلام المشتركة في المسابقة الرسمية هو فيلم «السطوح» للمخرج مرزاق علواش، ويا لها من خيبة أمل. الفيلم العربي الوحيد في المسابقة (مقدم باسم الجزائر ولو نصفيا) هو جديد هذا المخرج الذي سبق له، في التسعينات وما قبل، أن حقق أعمالا كانت تستحق ما حققته من جوائز وما أسسته لصاحبها من مكانة. حتى بعض الأخيرة، مثل «الحراقون» قبل ثلاثة أعوام أو نحوها، تميز بجودة سرده وأحاط على نحو أفضل بخلفيات شخصياته. لكن «السطوح» هو خيبة أمل شديدة. الفكرة المهيمنة هي توزيع خمسة أحداث غير مترابطة في خمسة أحياء (مثل «الجزائر الوسطى» و«حي باب الواد» و«حي القصبة») كل منها قصة منفصلة تماما. إلى ذلك، فكر المخرج في أن تقع أحداث هذه القصص جميعا فوق خمسة أسطح (كل سطح في حي ومع قصة مختلفة). الفكرة جيدة ستتيح النظر إلى ما تطالعنا به الحكايات من دون الاضطرار لمغادرة سطوح المنازل.. ستتيح النظر إلى المدينة من على السطح كما لو أن المسافة أطول بكثير مما هي في الواقع.. وجيدة لأنه منوال لم يقدم عليه أحد من قبل نعرفه. لكن ما يحول هذه الفكرة إلى حضيض خشن هو أن المخرج يطل من على السطوح إلى بؤس اجتماعي مؤلم رابطا إياه بالإسلام وعلى نحو يكشف تخلف النظرة وفرانكوفونيتها. هناك حكاية الرجل المقيد السجين في حجرة لا يزيد حجمها على حجم سرير واحد.. لا نعرف لماذا تحديدا، ولو أن الموحى به هو أنه شخص من الخطورة بحيث كان لا بد من سجنه هكذا.. تعنى به فتاة صغيرة وتطلق سراحه في آخر الفيلم. وهناك حكاية العصابة التي تقوم بتعذيب رجل عبر عملية تغطيس رأسه في دلو ماء.. هذا في الوقت الذي يقوم فيه من يبدو رئيسها بالاتصال هاتفيا بمن يرغب غير آبه بآلام الرجل أمامه إلى أن يموت. هنا يكشف الفيلم عن أن القتيل هو شقيق رئيس العصابة الذي رفض الاعتراف بشيء ما. الحكاية الثالثة هي لفتاة شابة تحب الموسيقى وتلتقي بشبان لإجراء بروفات على أغنيتها.. هناك فوق السطح (لماذا ليس في البيت؟ لا ندري). على السطح المقابل فتاة أخرى تقف مراقبة إلى أن يهجم عليها زوجها أو شقيقها (التصوير من بعيد والمخرج لم يفصح) ويضربها. في المشهد التالي تلقي بنفسها من فوق السطح. الحكاية الرابعة هي عبارة عن قصة عائلة مؤلفة من أم وابنتها وابنها وكلاهما مدمن. يأتي صاحب البيت ليخبرهم باستصداره قرارا من المحكمة بإخلاء الشقة. تهجم عليه الابنة الشابة وتضربه بالطنجرة على رأسه بضراوة وعلى نحو متوال إلى أن يموت. الآن هناك ابنه الذي يفتقد أباه ويعتقد أن العائلة تعرف مكانه. الحكاية الخامسة، هي لرجل آخر يعيش فوق السطوح أيضا ولا يدفع أجرا. وهناك غرفة يستخدمها رجل دين لاستقبال امرأة محجبة ومنتقبة ليخلع عنها ثيابها ويضربها بالعصا لطرد الجن منها. وعلى سطح من هذه الأسطح (أو هو ربما سطح جديد) هناك مجموعة من المتدينين المفترض بهم أن يكونوا نموذجا للمتطرفين يلتقون لسماع الموعظة. في الخطبة يشيد الشيخ بمعمر القذافي ناسفا أي سبب منطقي لذلك، فالجماعات الدينية تكن العداء للقذافي، والقذافي من ناحيته لم يكن نموذجا يمكن استخدامه حتى من باب إدانتها. الكاميرا لا تغادر السطح مطلقا لا نزولا إلى الشارع ولا دخولا في أي حجرة (هناك مشهد داخلي واحد لكنه مصور بإيهام أنه التُقط من ثقب الباب). إنها تحاول أن تعلن أن هذه السطوح هي انعكاس شامل للحياة على الأرض ولشخصياتها. وهذه الشخصيات جميعا سلبية. تستثني الفتاة هاوية الموسيقى والرجل الذي يموت تحت وطأة التعذيب والفتاة الصغيرة على براءتها. الباقون جميعا (أكثر من 10 أشخاص عدا لفيف من المتدينين الآتين لسماع الخطبة) رجال ونساء بشعون، وسخون، أميون، يتاجرون بالمخدرات أو يقبعون تحت وبالها، بلا قلب ولا وجدان ولا ثقافة. والسطوح التي يعيشون عليها قذرة والإطلالة على ما تحت من مدينة كئيب. يكاد ذلك يكون شأن المخرج إذا ما رأى أن هذه الحال هي ما يريد تصويره والتعبير عنه.. حالا من التخلف الشامل؛ بل ربما يكون ذلك تعبيرا ما عن وضع معين. لكن السؤال يخرج من نطاق الشأن الخاص إلى العام عندما يختار تقديم الفيلم في فقرات تبدأ مع كل أذان صلاة، معرفا بكلمات مطبوعة بالعربية والإنجليزية على الشاشة، موقع هذا الأذان وموعده من اليوم ومتى يبدأ ومتى ينتهي.. خمس فقرات ينطلق بها الأذان لندخل ذلك التردد بين الحكايات الخمس كما لو كان يريد أن يقول إن الإسلام هو ما يغطي هذه الشخصيات الشاذة وإنه المسؤول عن شذوذها الاجتماعي وتخلفها. لكن ربط الإسلام بالتخلف (ومن دون ثوابت أو تحليل) هو تخلف بحد ذاته. والفيلم إذ ينتقل بين حكايات السطوح (والسطوح ذاتها) لا يفعل شيئا على صعيد تقديم معالجة أكثر قيمة من مجرد القول إن كل هؤلاء مدانون وإن الإسلام يلعب الدور الأول في تخلفهم.. إنه لا يبحث بل يعرض ويحكم. وما يعرضه ويحكم عليه هو ذاته الذي يحب الغرب من الفيلم العربي أن يكون عليه.