نشاهد ويشاهد العالم كله معنا منذ بدايات رمضان مسلسل العدوان الإسرائيلي الوحشي على أطفال غزة الذي يعتبر المسلسل الرمضاني الأكثر تراجيدية هذا العام ، بالرغم من أن غالبية المشاهدين في الأقطار العربية فضلوا متابعة مسلسلات عادل إمام ويسرا والفخراني .. بيد أن مسلسل شهداء غزة الأطفال تميز بأنه الأكثر واقعية والأكثر مأساوية في عالم لم يعد يكترث كثيرًا بجرائم الإرهابيين العتاة ومحترفي القتل والإجرام ، ففي الوقت الذي كان يقتل فيه الأطفال الأبرياء في قطاع غزة بدم بارد وبدون رحمة ، لقي العشرات من الضحايا حتفهم في حادث الطائرة الماليزية التي أسقطت عمدًا فوق أوكرانيا ، وسقط العشرات من الضحايا أيضًا - كالعادة - في سوريا والعراق مع ملاحظة أن القاسم المشترك الأعظم في كافة تلك الجرائم واحد: الضحايا هم في غالبيتهم من المدنيين الأبرياء ، والمجرم واحد: الحكام الطغاة وعصابات الإرهاب ومجرمو الحرب . لكننا نصدم أكبر – كعرب – في الحالة الفلسطينية لأنه يتم عكس الصورة حتى من قبل الأمم المتحدة فتوجه الإدانة للمعتدي والمعتدى عليه بنفس القدر، ويلام الشعب المحاصر الذي يتعرض للعدوان براً وبحرًا وجوًا من قبل دولة الاحتلال فقط لأنه يحاول الدفاع عن نفسه بأسلحة بدائية والمطالبة بحقوقه المشروعة في العيش بحرية وكرامة على أرضه ووطنه كما سائر شعوب الأرض وطبقًا للقانون الدولي ولشريعة الأمم المتحدة نفسها وما صدر عنها من قرارات تمنح الفلسطينيين تلك الحقوق . إعلان إسرائيل عن قبولها المبادرة المصرية في الوقت الذي بدأت فيه بالفعل هجومها البري على القطاع لقتل المزيد من أطفاله يثبت بشكل قاطع أنها تسخر من المجتمع الدولي وتفتقر إلى الحد الأدنى من الجدية والمصداقية في تعاملها مع هذا المجتمع الذي عبر عن احتجاجه على عدوانها البربري على القطاع في لندن وباريس وروما وميلانو ونيويورك وواشنطن وشيكاغو وجنيف وأنقرة وشيلي وجنوب إفريقيا وغيرها من دول وعواصم العالم . المشهد الغزاوي كما تتناقله الفضائيات العربية وغير العربية يثبت أن القوات العسكرية الإسرائيلية قتلت وجرحت المئات من الأطفال في عدوانها المستمر على قطاع غزة ، وأنها استهدفت بطائرات إف-16 وأباتشي ومدفعية دبابات الميركافا والبوارج والزوارق الحربية المناطق السكنية المأهولة لإيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى في صفوف المدنيين وخاصة الأطفال بالرغم من أنها تعلم جيدًا أن قتل الأطفال يعتبر انتهاكاً صارخاً لإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بشان حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ و النزاعات المسلحة لسنة 1974 و لإعلان الجمعية العامة بشأن حقوق الطفل لسنة 1959 واتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989، وتعرف أيضًا أن هذه الانتهاكات تشكل خرقاً واضحاً لمجموعة أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949م المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب . هذه الجرائم المتعمدة من جانب القوات العسكرية الإسرائيلية من شأنها – كما يقول د.حنا عيسى أستاذ القانون الدولي - أن تعتبر إسرائيل مسؤولة وفق قواعد القانون الدولي الإنساني عن جرائم قتل وجرح الأطفال وغيرهم من المدنيين الفلسطينيين المباشرة أو من جراء انفجار الألغام ومخلفات الجيش من الذخيرة أو الأجسام المشبوهة المتفجرة ، وهو ما يتطلب من الجانب الفلسطيني رصد وتوثيق هذه الانتهاكات في ملفات رسمية تتضمن الأدلة المادية التي تثبت ارتكابها وإسنادها للمسؤولين عنها إيذانًا بتقديمها للجنائية الدولية ولمحكمة لاهاي .