اعتاد بعضنا ألا يشتري احتياجات العيد إلاّ في هذه الأيام المباركة وفي العشر الأواخر من الشهر الكريم التي من المفترض أن تخصص للعبادة. ففي العشرين من رمضان العام الثامن من الهجرة كان الفتح الأعظم فتح مكة المكرمة، ظهور الحق وزهوق الباطل، الفتح المبين بدخول رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام والمسلمين مكة المكرمة فاتحين. فتطهرت الكعبة المشرفة من الأصنام جميعها من داخلها وخارجها وعلى جوانبها ومن حولها، وأُخرج صنم هُبل منها إلى غير رجعة وبقيت مشرّفة للتوحيد، ورُفع الاذان ومنها أظهر الله -عز وجل- دين الإسلام على جميع الأديان ولو كره الكافرون. من المفترض أن يُفرد الشهر الكريم والعشر الأواخر للعبادة والصلاة والقيام شكراً لله وأملاً بالأجر، ففي هذه العشر فرص ذهبية قد لا تتكرر وتضيع فمن يضمن أن يعيش ويدرك رمضان لعام آخر؟!! . السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا وأرضاها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ اَلْعَشْرُ -أَيْ: اَلْعَشْرُ اَلْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ- شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ» ( هذا رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام وقد غفر له ربه ما تقدم من ذنبه وما تأخّر فما بالنا نحن المقصرين؟!! . لماذا لا نقتدي برسول الهدى ونكسب هذه العشر ونفوز بليلة القدر أفضل الليالي على الإطلاق، كلنا يعرف فضلها، فمن قامها إيماناً واحتساباً له قدرٌ إذ يغفر الله ما تقدم من ذنبه، وللثواب فيها قدرٌ إذ العمل فيها خيرٌ من العمل في ألف شهر «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» فيها تنزل الملائكة لمجالس الذكر وينزل جبريل عليه السلام، سلامٌ هي من العذاب، وسلامٌ من كل سوء. معلومات كلنا يعرفها ويجب أن يعرفها أيضاً أطفالنا. لماذا لا نحيي هذه العشر بالصلاة والذكر والدعاء، ونُشْعِر أبناءنا بروحانيتها ونجعلهم فيها أسرجة مضيئة بالعبادة يملأ الإيمان الصادق قلوبهم وتتشبع به أفئدتهم بيقين ووعي منذ نعومة أظفارهم بدلاً من قضاء هذه الفرصة باللعب بالآي باد والبلستيشن والكبار منهم بالسهر أمام القنوات الفضائية للتسلية أو مع الأصدقاء. كل هذا الفضل في العشر الأخيرة والأسواق للأسف تمتلئ بالمتسوقين، فمن يرى كل هذا الزحام يظن أن البيوت قد نفضت سكانها فحضروا جميعاً للتسوق، ناهيك عن ارتفاع الأسعار واستغلال بعض تجار المواسم، موسم كسب مادي للتاجر نعم.. لكنه خسارة له وللمتسوق لما عند الله من أجر كبير. ناهيك عن زحمة السيارات وحوادث المرور، الأمر يحتاج للمزيد من التفكير والنظر بجدية لتغيير هذه العادات، مثلاً لماذا لا نؤمن ما نحتاجه قبل رمضان ويُترك الشهر الفضيل للعبادة؟!!. الغريب أننا نفعل ذلك ونحن نعلم فضل شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن « ِانَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ» وأُنزلـَتْ صُحُفُ إبْرَاهِيمَ في أول ليلة من لياليه، والتـَّورَاة ُ لِسِت ٍ مَضَيْنَ مِنه، والإِنجـِيـل لِثـلاثَ عَـشْرَة َ خَـلـَتْ مِنْ رَمَضَانَ وتُفتح أبواب الجنة فيه وتغلق أبواب النار وتُغل الشياطين، كل هذا الخير في الشهر الكريم، فلماذا لا نكسبه فلا نكن كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ؟!! . بارك الله لنا ولكم في العشر الأواخر وجعلنا من الفائزين بليلة القدر، وأعاد الله علينا رمضان أعواماً مديدة.