×
محافظة المنطقة الشرقية

الفساد يُقيل الحكومة السورية المؤقتة

صورة الخبر

«هنا سأبقى مقيمة هادئة؛ مطمئنة: فهم ماتوا جميعاً... وسوف أعمل من رقادي حمامة باردة من العاج تحمل ازهار الكاميليا الندية الى المقبرة... لا أريد أن أرى احداً. فقط الأرض وأنا. دموعي وأنا. وهذه الجدران الأربعة». هذه بعض الجمل المؤلمة التي تتفوه بها شخصية الأم في مسرحية الشاعر والمسرحي الإسباني فدريكو غارثيا لوركا «عرس الدم»، التي تصلح كعنوان يختزل ما نراه على شاشات الفضائيات من قتل لا ينتهي. لن ينجو المشاهد، من خبر عاجل ينقل له آخر حصيلة للموت الذي يفترض أن تتعدد أسبابه، غير أن الواقع العربي العاصف راح يدحض مثل هذا «الاستنتاج»، إذ إن أسباب الموت باتت محصورة في الدوافع السياسية والمذهبية ونزعة الشر الطاغية، أما المسرح فواسع ورحب يمتد من العراق الى سورية، فلبنان وصولاً الى غزة واليمن، انتقالاً الى مصر وتونس وليبيا... قد تهدأ وتيرة الخسارات والدمار الى حين، ولكن سرعان ما تتجدد بصورة أكثر ضراوة وفتكاً، وبأسرع مما تستطيع الفضائيات ملاحقته، فـ «عرس الدم» حافل بالضيوف والمدعوين من كل المشارب والأعراق والمرجعيات والطوائف، واكسسوارات القتل وفنونه أكبر من أن تحصى، وثمة مسوغات جاهزة، لتوجيه النصل إلى القلب، فتسجل الفضائيات ضحية جديدة عبر عداد قد يخطئ في الإحصاء، قليلاً. لكنه في ارتفاع أكيد. وحتى الدراما التلفزيونية التي يفترض أن تعكس صورة «الحياة المشتهاة»، استمرأت، بدورها، هذا المشهد القاتم، ومضت نحو رصد اللحظة القاسية الراهنة. ففي المثال السوري ثمة أمثلة عدة، من قبيل مسلسل «حقائب - ضبوا الشناتي» و «قلم حمرة» و «بقعة ضوء» وغيرها، تسجل ذلك الواقع المأسوي الذي ترصده نشرات الأخبار حتى كاد أن يختلط الأمر على المشاهد بين فقرات درامية فنية وبين نشرات تلاحق الحدث اليومي. وهذه الدراما لم تعد مجرد حصة مسلية، فعلاوة على استحضارها لزخم الواقع المضطرب، تفرز كذلك مواقف واصطفافات، وكأنها بذلك تغذي الانقاسامات والعصبيات وتعززها، وحتى الناقد الذي يتناول العمل لم يعد في وسعه سوى التدقيق في الخطاب السياسي له، فإن وافق هوى لديه كان «عملاً مذهلاً»، وإن شذ عما يؤمن به كان «عملاً تافهاً». على هذا النحو الجنوني، تختلط آراء المحللين السياسيين بصيحات الشخصيات الدرامية، وتتداخل مقولات النقاد مع استغاثات الناشطين، وتمتزج دموع الأمهات في الأخبار بآهاتهن في الدراما التي تعجز أحياناً عن مجاراة الحقائق المرة على أرض الواقع. ووسط هذا الدمار والقتل والنزوح والتشرد وأزيز الرصاص ورائحة النعوش والصراعات الدامية... هناك، دائماً، خبر عاجل يتصدر الشاشة ويحصي أرقام القتلى في عرس دموي لا يشبه البتة «عرس لوركا» الذي يتحول إلى مجرد ملهاة خفيفة إزاء ثقل التراجيديا التي تدونها «الهويات القاتلة» في هذه المنطقة المنكوبة!