للسيارات خارج بلدنا عالمها الرياضي أو الترفيهي الخاص في حدود حلبات التنافس المفتوحة للمتسابقين بشروط وقوانين ثابتة، وفي توقيتات معلنة مسبقة، ولها ملاعبها الخاصة المعززة بكل تدابير السلامة والإسعاف الفوري، أما عندنا فلها عالم مختلف تماما، فالطرق الخارجية والداخلية كلها ميادين مفتوحة للمتسابقين والمفحطين من كل الأعمار، ومن دون قيود على السرعة، أو على حجم السيارة وقوتها ونوعها، وهم يتسابقون على وفق مبدأ: (هذا الميدان يا حمدان), وللسيارات المجنونة عندنا أبطال ورموز وأساتذة، ولهم أيضا ألقابهم الفخمة الخاصة ومسمياتهم الغريبة، إن السيارات المجنونة هذه أضافت أيضاً لمسات فوضوية أخرى جديدة لمواكب الأعراس، وصار من المألوف مشاهدتها وهي تتقدم في طليعة المواكب، أو تحف بسيارة العريس، وكأنها مراسيم استعراضية، حتى باتت تلك الاستعراضات من العادات السيئة المصحوبة بزعيق أبواق السيارات، وأصوات المفرقعات والأعيرة النارية بالذخيرة الحية ومضايقة السير والمارة، والأنكى من ذلك كله أنها تتعمد السير بسرعات سلحفاتية بطيئة تربك حركة السيارات الأخرى، وتثير الضجيج والصخب في سماء الحي، وأحيانا تتسابق بسرعات جنونية مرعبة تضاهي سرعة عفاريت الجن والإنس، المثير للحزن والألم إن هذا الجنون في السرعة وعدم المبالاة في القيادة، سرق الفرح من بيوت سعودية كثيرة، وحولتها إلى مجالس عزاء، ووأدت بهجة شباب وأطفال في مقتبل العمر وسط عنفوان الطيش والسرعة والحركات البهلوانية، حتى باتت فجيعة الموت في حوادث السيارات من الأخبار اليومية المعتادة في مدننا ومحافظاتنا وهجرنا وقرانا الكثيرة الكبيرة منها والصغيرة، فعلى الرغم من ملاحقة المرور لهم, وعلى الرغم من محاولاته الحثيثة لضبط تحركاتهم في الشارع وتثبيطهم، إلا إنهم لم ولن يلتزموا بقواعد السير، تتملكهم دائما رغبة جامحة لانتهاك قوانين المرور بأساليب متهورة تصادر حقوق الناس، وتستفز مشاعرهم بحركات وتصرفات وسرعات جنونية مزعجة, الأمر الذي يدفع بنا بمطالبة المرور كجهة مسؤولة وحاسمة إلى تنظيم حملات مفاجئة سرية ترصدية على هؤلاء أكثر قوة وحجماً وأفراداً من ذي قبل، وأن لا يكتفوا بساهر الذي لم يجدِ عمله كما ظنوا، وعليهم ضبط وحجز ومصادرة السيارات المخالفة فوراً ودون تردد، وإيقاع أشد العقوبات على المخالفين، وفقا لنوعية المخالفات المرتكبة لردعهم ودرء شرهم عن الناس، إننا بحاجة فعلية ماسة إلى حل جذري لهذه الظاهرة المعضلة، وإلى إيقاف فوري لشلالات الدم اليومية النافرة، لأنه لم يعد لدينا طاقة للدمع والحزن ومجالس العزاء، ولم يعد لدينا قدرة على العيش والتعايش مع مجانين القيادة وتهورهم وإزعاجاتهم اللحظوية المتكررة وتصرفاتهم الاتفزازية المرفوضة.