ربما يكون من أمتع أنواع القراءة لدي قراءة كتب السير الذاتية أو البايوجرافي سواء كانت لمشاهير أو لأشخاص غير معروفين نتعلم من حياتهم الكثير عن التاريخ والعادات والتقاليد وطرق التفكير والعبر والدروس المفيدة عند تتبع حياة شخص ما أو مجموعة ما في مكان معين وزمان معين. والسيرة الذاتية أو البايوجرافي هي فرع أدبي من أنواع الكتابة الواقعية التي تصف حياة شخص ما. وقد تكون سيرة ذاتية تغطي حياة الإنسان بكاملها بعد وفاته، أو تغطي مرحلة ما منذ ولادته إلى اللحظة التي كتب فيها الكتاب إذا ما كان الشخص على قيد الحياة. وهي مختلفة عن الأوتوبيوجرافي في أن البايوجرافي تكون مكتوبة بقلم شخص آخر غير صاحب السيرة، بينما «الأوتوبيوجرافي» و «الميموار» و «الدايريز» تكون مكتوبة بقلم صاحب السيرة ذاته ولهؤلاء حديث مطول في يوم آخر إن شاء الله. وفن كتابة البايوجرافي ليس بالفن الجديد فقد ظهر منذ قدم الزمان. والتقاليد الغربية لكتابة البايوجرافيات ظهرت منذ أيام المؤرخ الإغريقي بلوتارش وكتابه «بايو باراليليو» في العام المائة بعد الميلاد وفيه يقارن حياة وأمجاد عظام القادة اليونان والرومان وهذا العمل ترجم إلى الإنجليزية في 1579 وتكمن أهمية هذه الترجمة التي كتبها سير ثوماس نورث، أنها كانت من أهم مراجع شيكسبير لمعلوماته عند كتابة مسرحياته التي تغطي المرحلة الرومانية تاريخيا. وأما في التراث الإنجليزي المعاصر الذي يعد أحد أهم الثقافات التي تحتضن فن البايوجرافي فربما يكون اسم ساموئيل جونسون ( 1709ــ 1784) من أهم الأسماء في هذا المجال. وفي القرن التاسع عشر أصبح للبايوجرافي سوق استهلاكي كبير نسبيا، وكحركة مضادة للتعصب الديني نشأت في ذلك الوقت خطوط جديدة من البايوجرافي، فظهرت حركة «النيو بايوجرافي» في 1918 في بريطانيا وفرنسا وهي تتعامل مع البايوجرافي كفن خيالي مع عناصر دخيلة عليها مقتبسة من فن الرواية مثل المونولوج الداخلي والدايالوج الخيالي والفلاش باك وغيرها من التكنيكات الروائية. وفي القرن العشرين ظهر نوع آخر جديد من البايوجرافي يسمى السايكوبيوجرافي وهو متأثر بنظريات التحليل النفسي السلوكي لفرويد وغيره. والبايوجرافيات ملونة بتلون الأشخاص في هذه الدنيا، فهناك بويوجرافيات تغطي حياة القادة العسكريين وغيرها تسرد قصة حياة فنانين أو شخصيات اجتماعية شهيرة أو علماء أو أدباء أو مكتشفين أو مخترعين أو رواد فضاء أو حتى أشخاص مغمورين أصبح لحياتهم دلالات تاريخية أو اجتماعية أو سياسية معينة في زمن ما. وكثر الحديث عن ما يسمى مصداقية البايوجرافيات، ومحدودية معلومات الكاتب عن أبطالها وأحداثها، وخاصة إذا ماكانت تغطي حياة شخص راحل يصعب الحديث معه لتقصي الحقائق، فقال البعض بأن قراءتها يجب أن تكون قراءة متشككة حذرة ومعلوماتها رهن التحقق بدراسة المرحلة الزمانية والمكانية ومقارنة ماكتب عن الشخصية بأقلام الآخرين للوصول إلى صورة أكثر واقعية للأحداث. وأكد البعض بأن حتى كتابة البايوجرافيات عن أشخاص أحياء باللقاء معهم والحديث إليهم محدودة ليس فقط بمدى مصداقية بطل الكتاب بل وبحدود ذاكرته أيضا. وقد يختار بطل الكتاب النظرة التي يسمونها في الأدب بالتليسكوبية، فيركز على حدث ما ويعالجه بالتفصيل ليترك أحداثا أخرى ــ قصدا ــ دون ذكر أو إشارة لأجندات معينة في نفسه. ويجب في هذا السياق ذكر وجوب الحذر من علاقة الكاتب بصاحب البايوجرافي لأنها يمكن جدا أن تطبع السيرة بطابع معين سلبي أو إيجابي. وهناك مايسمي أيضا في فن السيرة الذاتية أو الأوتو بيوجرافي بالـ «جوست رايتر» وهو أن يلجأ صاحب البايوجرافي عندما يكون هو موضوع النص إلى كاتب مجهول لكتابة سيرته له كما تروق له ونشرها باسمه دون الإشارة إلى اسم الكاتب الحقيقي المستأجر. وفي تاريخ البايوجرافي كتابات أدبية عجيبة، مثل «فلش» الذي كتبته الكاتبة الشهيرة فيرجينيا وولف في 1933 وهي القصة الخيالية لحياة كلب عاش مع الشخصيات الأدبية الحقيقية تاريخيا روبرت وإليزابيث باريت، براوننج. وكتب جوليان بارن أيضا في 1984 «ببغاء فلوبير» ويصف في هذا الكتاب قصة حياة ببغاء عاش مع الكاتب جوستاف فلوبير.. وقد ظهرت أنواع عديدة من البايوجرافي التي تهتم بتغطية الأحداث في حياة ليس شخصا واحدا بل عدة أشخاص مما يسمى «جروب بايوجرافي» وظهرت مثلا بعض أنواع البايوجرافي المعاصرة منذ نهايات القرن العشرين فصاعدا والتي تغطي السيرة الذاتية لشيء ما بدلا من شخص ما، فمثلا تروي لنا السيرة قصة مدينة معينة أو شجرة معينة أو مبنى شهير معين، وربما تكون رواية علاء الأسواني، «عمارة يعقوبيان» من أشهر الأمثلة في العالم العربي على هذا النوع من البايوجرافي. فرغم الضجة التي صاحبتها واختلاف القراء عليها كرواية إلا أنها خلدت سيرة مبنى معين في حقبة تاريخية معينة.