لقد بلغت العمر الذي يسيطر فيه المرء تماماً على مزاياه الخاصة ويكون لذكائه فيه أكبر قدر ممكن من القوة والحذق. آن الأوان إذن لأنجز مؤلفاتي الأدبية، بإتمام بعض الأشياء وجمع بعضها الآخر، بكتابة تلك التي يجب أن أكتبها ولكي أنجز هذه المؤلفات أحتاج إلى الهدوء وإلى نوع من العزلة " ( فرناندو بيسوّا) *** لابد من عادات تتراكم في حياة الإنسان تكون ملازمة له في بعض من سلوكياته الحياتية التي تكون ملاصقة له دوما خصوصا في مجال العمل الذي يمارسه، وحين يحل عمل آخر فإن عادات أخر ستحل تلقائيا ولاإراديا لتملأ المكان، وهكذا وكأن المسألة تحّول في تحوّل، وهي ضرورية لكون العمل هو الذي يدفع إلى ذلك فيكون الإختلاف والتباين في (التعود) بين الناس بصور عديدة حسبت إملاء الحالة، فالإبداع الكتابي يتمثل في حالة أشبه ما تكون بالمداهمة في وقت غير محدد، فيجيء أحيانا بمقدمة أشبه بالإرهاصات تكون سابقة له ولكن الوقت والمكان غير معلومين ولكن تكون هناك حالة ترقب لكون الكاتب ماهو إلا متأمل ومستقبل ويعمل على أن يشاركه الآخرون همه، لأنه منهم وإليهم وحياته مرتبطة بهم. حالة العطاء المحببة لممارسها تكون وليدة تراكمات واعتمالات نفسية قادت بعضها بعضا حتى وصلت إلى مرحلة الفيضان والخروج من حدودو الإطار الخاص إلى الفضاء العام بغية تصوير وتجسيد الصورة التي تكونت على مراحل حتى اكتملت، ومن هنا تكون زمكانية الحالة الإبداعية في اشكالها العديدة غير محددة سوى بعلامات قد تكون خافية وكامنة تنبع فجأة، ولكن قد تكون للبعض أوقات محببة ومناسبة لعملية التفريغ يحبذها صاحبها، فمنهم من يجد لذة ممارسة العطاء إذا ما سجى الليل، والآخر إذا لاح الفجر ومع الشروق، وهناك من يكون ملبياً للطلب حال تكون الصورة مستكملة في ذهنه ويخشى عليها من الفرار، فهو مستسلم لها دوما حتى ولو استيقظ من نومه وسار معها ممزقا ليله كاملا لكي يكمل، وحتى لو كان على حساب العمل الروتيني، فهو قد بدأ ولابد أن ينهي ما بدأه بالشكل الذي يرتضيه، وقد يترتب على ذلك إنهاك للجسد، غير أنه بعد اكتمال العمل تكون الراحة المؤطرة باللذة حيث تعوض عن العناء والتعب، حيث جاء العمل كما يراد له الذي تابعه بالسكون وترك العمل تحت المراقبة خضوعا للتنقيح والتعديل، وما أجمل (=عندي ) أن تكون المراجعة والتدقيق في الليالي الشتائية ففيها من الوقت مايشبع النَّهَمَينْ (= المراجعة والكتابة) لأن للنوم هناك فسحة، وهذه يشعر بها من يكون عمله الوظيفي متوافقا مع مجال رغباته الذاتية واهتماماته التي يمارسها. هنا لا بد من الإشارة إلى أمر مهم جداً هو (النظام) وترتيب الوقت وتوزيعة للقراءة، والكتابة، والراحة، والعمل العام، فهذه أمور ضرورية تقضي على الفوضى التي هناك من يدعي انها مكمن الإبداع، حيث تلقفها دون تمحيص وتدقيق وسبر أغوارها عند قائلها الذي كان يقصد بها شيء آخر له تفسيره الخاص به العناية بفنه على حساب أشياء ثانوية يمكن أن يخدم فيها من قبل أبنائه أو أقاربه، لأنه عام في بحر العطاء الذي يريد أن ينهيه. فالتنظيم إبداع بحد ذاته، ومفاجأة الحالة حتما أنها قد عودت الكاتب أو الفنان على ملاقاتها في وقتها وإشباع متطلباتها، وقد تَحْرُنُ الحالة ويكون التوقف عدة شهور.. وربما سنوات، ولكن داخل الفنان الأصيل يمور حتى يفور كما البركان في أية لحظة، ودون توقيت، وفي حسن التعامل مع اللحظة قمة السعادة التي لا تتأتى للكل، ولكن الصانع والمتصنع والمقلد تتكشف أهواؤهم عند ملاقاة القارئ الواعي الذي يعمل المبرد والمحك فيما بين يديه من أعمال، فهوالفارز والحكم كما هو الزمن تماما. فالكاتب العالمي جورج أورويل يقول" ليس بوسع المرء كتابة شيء مقروء إلا إذا كافح باستمرار لطمس شخصيته ذاتها" حيث تكون مندمجة ضمن عطاءاته. *لحظ: ( لحظة الوداع هذه ليست جرحا فقط إنها انكسار في مرآة الروح ) * وداد بنموسى