يقول الكاتب والروائي الشهير «ادواردو غاليانو»: (في الحياة، يمكن للمرء أن يغير زوجته، والحزب السياسي الذي ينتمي له، بل ودينه، لكنه لا يستطيع تغيير الفريق الذي يشجعه في كرة القدم!» قد تنطوي هذه المقولة على مبالغة، لكنها تعبر بوضوح عن مستوى الارتباط الروحي والنفسي الذي غرسته كرة القدم في الضمير الإِنساني، هذه اللعبة التي اكتشف بيل غيتس خلال رحلاته لفهم التنمية في العالم أنها الأمر المشترك الذي لا يكف عن لعبه الصغار ولا يمل من الحديث عنه الكبار!، فمهما اختلفت الثقافات وتباعدت الجغرافيا تظل الكرة الأرض التي يألفها الجميع، لذا ليس من قبيل الصدفة أن تتحول في سياقها العالمي إلى ميدان لاستمرار الحروب بطريقة أخرى كما وصفها الكاتب والناقد الإنجليزي اريك بلير! *** كان اليساريون المتمسحون بوعي الإنسان وخرافة تقدميته لا يرون فيها أكثر من مخدر للمجتمعات، تغيب حقوقها وتعطل عربة تنميتها، وقد ولد هذا الوعي القاصر جزءًا مهمًا من الفراغ الذي قصم ظهر الشيوعية، وأبعدها عن فهم طبيعة الإنسان وغرائزه وروحه وحاجته إلى الإنجاز والمنافسة حتَّى في تسليته! *** المنافسة هي النار الهادئة التي تنضج المجتمعات.. تحت شمس الشفافية في ميدان واضح للعيان، ملتزمة بالقوانين والأنظمة وشروط الميدان، فهي موقد تصهر فيه كل الفوارق والاختلافات، لتولد الكفاءة جنينًا صحيًّا يكبر يومًا بعد يوم دون هرمونات تزيف حقيقته أو تخصي خصوبته... حين انطلقت منافسات كأس العالم في البرازيل وشهدت شغف العالم أجمع بمتابعتها، تولد لديّ الشغف بقراءة تاريخ هذه اللعبة وتطورها والأثر الاجتماعي والمعرفي الذي زرعته في الوعي الإنساني منذ أن ركلها أول صيني قبل خمسة آلاف سنة وحتى الآن، وحين تعمَّقت في هذا الجانب أيقنت أن الرياضة وكرة القدم محضن مهم لتصحيح الاختلالات في المجتمع، ففي الميدان الأخضر كسر قيد العنصرية البغيض، فقد رفض البرازيليون في زمن مضى أن يمثِّل اللاعبون ذوي البشرة السوداء بلادهم بحجة عدم الإساءة لسمعة الوطن في المشاركات الخارجيَّة، لكن كرة الجلد المستديرة أرغمت السياسيين والنخب بالاستعانة بالمواهب السوداء من أجل إنقاذ سمعة الوطن من الخسائر الكروية القاسية!.. وليس هذا سوى فيض من غيض. *** اليوم ونحن نستقبل رئيسًا جديدًا للشباب وهو الأمير عبد الله بن مساعد أجد نفسي متفائلاً كثيرًا بعصر جديد للرياضة في بلادي، فهذا الأمير ورجل الأعمال الناجح جاء من بيئة طينة أرضها المنافسة، والأمل كل الأمل اليوم أن يبدأ بها جرعة شافية لجسد الرياضة العليل في بلادي، فالمهم أيها الأمير أن تصلح منظومة القيم داخل الرياضة لتضخ مدخلات نوعية من القمة إلى القاع، رؤساء اتحادات رياضيَّة ورؤساء أندية ومدرِّبين ولاعبين وإداريين تنتجهم المنافسة وتزكيهم الأهلية.. فمهما عملنا من خطط ومهما أنفقنا على البرامج والدراسات فإنَّ جنين الكفاءة في رياضة بلادنا سيجهض مرة تلو أخرى بغياب المنافسة الحقة، فهل اعتبرنا من دروس الأمم لينصفنا التاريخ؟