للدكتور أحمد بسام الساعي عدة مؤلفات، لعل أهمها كتابان، «مسلمون في مواجهة الإسلام مسيحيون في مواجهة المسيحية» و «المعجزة»، في الثاني الذي تمحورت حوله أمسيته الثقافية، تناول في جزئه الأول الظواهر اللغوية الجديدة في القرآن الكريم بصفة عامة مستشهدا بمختلف سوره، وفصل في الجزء الثاني دراسته لهذه الظواهر في بعض أكثر السور تداولا، ولأني لا أستطيع عرض كتاب هام كهذا في عجالة كهذه، برغم أني أعيد قراءته كل حين، أعود للأمسية. مما قال في الأمسية وكأنه يرد على من كتب لي معلقا على مقالة أمس الأول، ماذا فعل؟ جميعا يعرف أن القرآن كلام إلهي لم يقله بشر، إن أكبر فرية يروج لها المستشرقون قديما وحديثا هي أن القرآن كلام محمد عليه الصلاة والسلام واستقى الكثير منه من الرهبان والأحبار في رحلاته التجارية للشام، فند أستاذنا هذه الفرية بمنهج علمي رصين احترمه كثيرون من المستشرقين. فتوحات أستاذنا الساعي قادته للتأكيد على قراءة القرآن، ليس كعادة فقط أو للبركة وحسب، بل للتدبر والتمعن، وكان من أمنياته أن يتمكن من قراءة القرآن كما نزل على العرب أول مرة ليستلهم الدهشة والانبهار التي كانت تصيب العربي وهو يسمع مفردات عربية لم يعهدها مع فخره بتمكنه من لغته. ولأقرب الصورة أكثر، وهذه من عندياتي حتى لا يتحمل الدكتور الساعي وزر خطئها، تذكرون تباهينا بكلمة «أما بعد» في الخطاب والنثر العربي، ثم كم صعقنا عندما استحدث أحدهم «أما قبل»، حتى لهجة قريش التي سادت الجزيرة وأصبح على كل شاعر يريد لقصيدته الانتشار أن ينظمها على الحرف القرشي، تحداها القرآن ونزل بسبعة أحرف لسبع قراءات، بل عرب القرآن كلمات وأسماء أعجمية لم يعرفها العرب. لفتني في محاضرة الدكتور الساعي إشارته اللطيفة وربطه لأهم حدثين للعام 1453 الميلادي، يوم فتحت القسطنطينية على يد محمد الفاتح وبدء نهضة أوروبا، ذلك أن أول عمل قام به الفاتح هو إطلاق سراح جميع سجناء العلم والرأي والمعرفة الذين كانت تنفيهم أوروبا الجاهلة في عصورها المظلمة إلى سجون القسطنطينية، وفتح أبواب المكتبات التي كانت تغلقها الكنيسة في حربها ضد العلم والعلماء، عاد العلماء لبلدانهم، ومعظمهم كان من إيطاليا حيث بدأ عصر الأنوار الأوروبي ومن ثم انطلقت أوروبا تجدد حضارتها القديمة وما أضافه لها المسلمون من حضارتهم. وهو هنا يرد الفضل لأهله في ثلاثة وجوه، ليس فقط حفظ وحمل الحضارة الإغريقية القديمة، فمن لا يعرف قيمة الشيء حطمه أو أهمله، ثم الإضافات التي أحيت حضارة مندثرة، ثم التسبب في بدء النهضة الأوروبية الحديثة.. الشكر الجزيل لمنظم الأمسية وللمحاضر، ولعلها دعوة لكل المهتمين بالدراسات القرآنية واللغوية للبناء على هذا الجهد العظيم الذي سمعنا طرفا منه وفي اشتياق للمزيد.